الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص135
في قتل أبيهم ووجب في تركته دية قتيله لوليه ليستوي فيها القاتل وغير القاتل ، ويجري قتل أبيهم بعد عفوهم مجرى موته ، ولو مات القاتل وجبت الدية في تركته ، وإن سقط القود بموته .
وقال أبو حنيفة إذا مات القاتل سقطت عنه الدية ، وكذلك لو قتله أجنبي سقطت عنه دية قتيله ، ووجبت له القصاص على قاتله ، بناء على أصله في وجوب الدية بالمراضاة عند النزول عن القصاص الممكن ، والموت قد منع إمكان القصاص فمنع من وجوب الدية ، واستدلالا بعده بأمرين :
أحدهما : أن سقوط القصاص بتلف المقتص منه يوجب سقوط الدية ، كالعبد الجاني إذا مات قبل القصاص .
والثاني : أنه لو انتقل القصاص من نفسه إلى الدية عند تلفه ، لصارت نفسه مضمونة عليه ، وما أحد يضمن نفسه ، وإنما يضمنها غيره .
ودليلنا مع بنائه على أصلنا في أن الدية تجب على القاتل من غير مراضاة قول النبي ( ص ) ‘ فمن قتل بعده قتيلاً فأهله بين خيرتين ، إن أحبوا قتلوا ، وإن أحبوا أخذوا العقل ‘ ومن خير بين حقين ، إذا فاته أحدهما تعين حقه في الآخر ، ولأن سقوط القصاص بعد استحقاقه بغير اختيار مستحقه يوجب الانتقال إلى الدية ، كما لو عفا بعض الورثة انتقل حق من لم يعف إلى الدية ، ولأن الدية لما وجبت في أخف القتلين من الخطأ كان وجوبها في أغلظهما من العمد أولى ، ولأن القصاص مماثلة لجنس متلف ، فوجب إذا تعذر استيفاء المثل أن يستحق الانتقال إلى بدله من المال ، كمن استهلك ذا مثل من الطعام فأعوز انتقل إلى قيمته .
فأما قياسه على موت العبد الجاني فلم تسقط الدية بموته ، ولكن لتعذر وجودها بعدم ملكه وقف استحقاقها بعد موته ، وكذلك لو مات الحر معسراً .
وقوله : ‘ إن نفسه غير مضمونة عليه ‘ فعنه جوابان :
أحدهما : أنه لما جاز أن يضمنها حياً ببذل الدية جاز أن يضمنها ميتاً بوجوب الدية .
والثاني : أنه يضمن الدية بدلاً من نفس قتيله لا من نفسه .