پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص119

قال الماوردي : إذا قتل الواحد جماعة إما في حال واحدة بأن ألقى عليهم حائطاً ، أو ألقاهم في نار ، أو غرقهم في سفينة ، أو قتلهم في أوقات شتى واحداً بعد واحد وجب أن يقتل بأحدهم ، وتؤخذ من ماله ديات الباقين .

وقال مالك وأبو حنيفة يقتل بجماعتهم وقد استوفوا به حقوقهم ، ولا دية لهم في ماله فإن بادر أحدهم فقتله كان مستوفياً لحقه وحقوقهم وبنى أبو حنيفة ذلك على أصلين :

أحدهما : أنه في قتل العمد أنه لا يوجب غير القود ، وأن الدية لا تستحق إلا عن مراضاة .

والثاني : أن القاتل إذا فات الاقتصاص منه بالموت لم يجب في ماله دية ، وقد مضى الكلام معه في الأصل الأول ، ويأتي الكلام معه في الأصل الثاني ، واستدل في هذه المسألة بأن الجماعة إن كانوا كفؤا للواحد إذا قتلوه قتلوا به ، وجب أن يكون الواحد كفوءاً للجماعة إذا قتلهم قتل بهم ، ولأن القصاص إذا ترادف على نفس واحدة تداخل بعضه في بعض ، كالعبد إذا قتل جماعة ، وكالمحارب إذا قتل في الحرابة جماعة ، ولأن القصاص حد ، فوجب أن يتداخل بعضه في بعض ، كحد الزنا والقطع في السرقة ولأنهم اشتركوا في عين ضاقت عن حقوق جميعهم ، فوجب أن يكونوا فيها أسوة كغرماء المفلس ، ودليلنا قول الله تعالى ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ) فمن جعل نفساً بأنفس خالف الظاهر وقال تعالى ( ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً ) ومن قتله بجماعتهم أبطل سلطان كل واحد منهم ، ولأنها جنايات لا يتداخل خطأها فوجب أن لا يتداخل عمدها ، كالأطراف لأن واحداً لو قطع أيدي جماعة قطع عندنا بأحدهم ، وأخذ منه ديات الباقين ، وعند أبي حنيفة يقطع يده بجماعتهم ثم يؤخذ من ماله إن كانوا عشرة تسع ديات يد تقسم بين جماعتهم ، فصار هذا الاختلاف إجماعا على أن لا تتداخل الأطراف ، ولأنها جنايات لا تتداخل في الأطراف فوجب أن لا تتداخل في النفوس كالخطأ ، ولأن جنايات العمد أغلظ من الخطأ ، فلم يجز أن يكون أضعف من موجب الخطأ ، ولأن حقوق الآدميين إذا أمكن استيفاؤها لم تتداخل كالديون ، ولأن القصاص موضوع لإحياء النفوس .

كما قال تعالى ( ولكم في القصاص حياة ) فلو قتل الواحد بالجماعة لكان فيه إغراء بقتل الجماعة ، لأنه لا يلتزم بعد قتل الأول شيئاً في جميع من قتل ، وليسارع الناس بعد ابتدائهم بالقتل إلى قتل النفوس ولم يكفوا ، ولم يصر القصاص حياة ، وهذا استدلال وانفصال عن جمعه بين قتل الجماعة بالواحد ، وقتل الواحد بالجماعة .