پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص105

وقال مالك : يجوز لمن لم يعف أن يقتص ولو كان واحد من جماعة استدلالا بقول الله تعالى ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) فلو سقط حقه بعفو غيره لكان السلطان عليه ولم يكن له ، ولأن القود موضوع لنفي المعرة كحد القذف ، ثم ثبت أن حد القذف لا يسقط بعفو بعض الورثة ، كذلك القود يجب أن يكون بمثابتهم ، ولأنه لما لم يكن عفو بعضهم عن الدية مؤثراً في حق غيره وجب أن يكون عفوه عن القود غير مؤثر في حق غيره .

ودليلنا قول الله تعالى ( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ) وهو محمول عند كثير من المفسرين على عفو بعض الورثة ، لأنه جاء بذكر الشيء منكراً ، وجعل عفوه موجباً لاتباع الدية بمعروف ، وأن تؤدى إليه بإحسان ويحمل على عموم العفو من الواحد والجماعة .

وقال النبي ( ص ) ‘ فمن قتل بعده قتيلاً فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا ، وإن أحبوا أخذوا العقل ‘ فجعل الخيار في القود لجميع أهله لا لبعضهم ، ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم روي أن رجلاً قتل رجلا على عهد عمر رضي الله عنه فطالب أولياؤه بالقود فقالت أخت المقتول وهي زوجة القاتل : عفوت عن حقي من القود فقال عمر الله أكبر ، عتق الرجل يعني من القود ولم يخالفه من الصحابة أحد مع انتشاره فيهم ، فثبت أنه إجماع ، ولأن القود أحد بدلي النفس فلم يكن لبعض الورثة أن ينفرد باستيفاء جميعه كالدية ، ولأن القاتل قد ملك بالعفو بعض نفسه فاقتضى أن يستوي في الباقي منها كالعتق ، ولأنه قد اجتمع في نفس القاتل إيجاب القود وإسقاطه فوجب أن يغلب حكم الإسقاط على الإيجاب لأمرين :

أحدهما : أن القود يسقط بالشبهة ، وهذا من أقوى الشبه .

والثاني : أن لسقوط ما وجب منه بدلاً وهو الدية ، وليس للإيجاب ما سقط منه بدل .

فأما الجواب عن الآية فقد مضى .

وأما الجمع بين القود وحد القذف فغير صحيح ، لأنهم في القود مشتركون وفي الحد منفردون ، فلم يجز أن ينفرد أحدهم باستيفاء القود وجاز أن ينفرد باستيفاء الحد ، وإنما اشتركوا جميعها في القود وانفرد كل واحد في الحد لأمرين :