فأما ما ذكره من تفرد الإمام بالقود فيمن ورثه جماعة المسلمين ، فالجواب عنه أنه لما لم يتعين مستحقه وكان للكافة ، تفرد به من ولى أمورهم ، وهذا قد تعين مستحقة فافترقا .
( فصل )
فإذا ثبت وقوف القود على بلوغ الصبي وإفاقة المجنون وجب حبس القاتل إلى وقت البلوغ والإفاقة ليحفظ حقهما بحبسه ولا يطلق ، وإن أعطى كفيلاً بنفسه ، لأنه حق لا يملك استيفاؤه إلا منه ، والمتولى لحبسه الإمام دون الولي ، لأن أمر الحاكم أنفذ من أمره ، فإن أراد الولي أن يلازمه لم يمنع ، ولا يقف حبس الحاكم له على الاستعداء إليه ، وينفرد به إذا ثبت عنده القتل لما يجب عليه من حفظ الحقوق على من يولى عليه ، ولو كان في الورثة رشيد غائب لم يلزم الحاكم حبس القاتل إلا بعد الاستدعاء إليه ، لأن مستحق القود رشيد لا يولى عليه ، وهكذا لو غصب داراً لغائب جاز للحاكم أن ينزعها من الغاصب إن كان مالكها مولياً عليه ، ولم يجز أن ينتزعها منه إن كان مالكها رشيداً ، فإن أراد ولي الصغير والمجنون أن يعفو عن القود إلى غير مال لم يجز ، وإن أراد العفو عن القود إلى الدية نظر في الصغير والمجنون ، فإن كانا موسرين غير محتاجين إلى المال لم يكن للولي العفو عن القود ، وإن عفا بطل عفوه ، وإن كانا فقيرين فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون لهما من يجب عليه نفقتهما ، فلا يجوز لوليه أن يعفو عن القود لاستغنائهما ممن وجب عليه نفقتهما .
والضرب الثاني : أن لا يكون لهما من يلتزم نفقتهما وهما من ذوي الفاقة إلى قدر نفقتهما ، ففي جواز عفو وليهما عن القود وجهان :
أحدهما : يجوز للضرورة اعتبارا بمصلحتهما .
والثاني : لا يجوز لما فيه من إسقاط حقهما ، ويحتمل وجهاً ثالثاً أن يعتبر حال المولى فإن كان مناسبا أو وصياً لم يصح عفوه ، وإن كان حاكماً صح عفوه ، لأنه حكم يجوز أن ينفرد باجتهاده والله أعلم .
( مسألة )
قال الشافعي رضي الله عنه ‘ وأيهم عفا عن القصاص كان على حقه من الدية وإن عفا على غير مال كان الباقون على حقوقهم من الدية ‘ .
قال الماوردي : وإن عفى على غير مال كان الباقون على حقوقهم من الدية إذا كان أولياء المقتول جماعة فعفى أحدهم عن القود سقط جميع القود في حقوق جماعتهم ، ولم يكن لواحد منهم أن يقتص سواء عفى أقلهم أو أكثرهم .