الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص87
بسمه ، فيكون الساقي ضامناً لقيمة الطعام ، لأنه قد صار بالسم كالمستهلك ، وفي ضمانه لنفس المسموم ثلاثة أقاويل :
أحدها : يضمنها بالقود ، وهكذا يكون القتل بالسم في الأغلب .
والقول الثاني : يضمنها بالدية دون القود لعدم المباشرة من جهته .
والقول الثالث : أنه لا ضمان عليه من قود ولا دية ، ويكون الفرق على هذا القول بين وضع السم في طعام الساقي ووضعه في طعام المسموم أنه أكل طعام الساقي بأمره فصار بالأمر ضامناً لديته ، وأكل طعام نفسه بغير أمره فلم يضمن ديته ، والله أعلم .
قال الماوردي : وهذا كما قال إذا فقأ عين رجل بإصبعه وجب عليه القود ، لأن الإصبع يأتي من العين على ما يأتي عليه الحديد من النفس ، والعين تتميز عن غيرها من الجسد وتنفصل كالأعضاء ، فوجب القود فيها كالأطراف لقول الله تعالى ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين ) [ المائدة : 45 ] قرأ الكسائي بالرفع ، وقرأ غيره بالنصب ، وهو على قراءة الكسائي ابتداء حكم في شريعتنا ، وعلى قول من قرأ بالنصب إخبار عن شريعة غيرنا ، وهي لازمة لنا في أصح الوجهين ما لم يرد نسخ ، وإذا كان القود فيها واجباً ، فلها حالتان :
إحداهما : أن تنقلع الحدقة بالفقإ فيجوز الاقتصاص منها بالإصبع مقابلة للجناية بمثلها ، ويجوز قلعها بالحديد ، لأنه أسهل وأسرع ، فإن المجني عليه يبصر بالعين الأخرى ، جاز أن يتولى الاقتصاص بنفسه ، وإن كان أعمى لا يبصر لم يجز أن يتولاه لخوف تعديه ، وتولاه وكيله .
والحال الثانية : أن تكون الحدقة باقية في موضعها ، وأذهبت الإصبع ضوء بصرها أو كانت الجناية على رأسه فأذهبت ضوء بصره ، أو لطمه على وجهه فذهب ضوء ناظره ، فالقصاص فيه واجب ، لأن ضوء العين يجري منها مجرى الروح من الجسد ، فلما وجب القود بإفاتة الروح مع بقاء الجسد وجب القصاص بإذهاب الضوء مع بقاء العين ، فيفعل بالجاني مثل فعله بإصبع كإصبعه أو لطمة مثل لطمته ، وليس ذلك لوجوب القصاص واللطم ، ولكن ليستوفي باللطم ما يجب فيه القصاص .
فإن ذهبت بالإصبع واللطمة ضوء عين الجاني فقد استوفى منه القصاص .
وإن لم يذهب بها ضوء عينه عدل إلى إذهاب ضوءها بما تبقى معه الحدقة من