الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص54
قال الماوردي : جمع الشافعي في إرسال السهم بين ثلاث مسائل ، وضم إليها أصحابنا رابعة تظهر باستمرار القياس :
فإحداهما : مسلم أرسل سهمه على نصراني ، فأسلم ثم وصل السهم إليه فمات .
والثانية : في حر أرسل سهمه على عبد فأعتق ، ثم وصل السهم إليه فمات ، فلا قود فيها على المسلم والحر اعتباراً بإرسال السهم ؛ لأن المسلم أرسله على نصراني ، والحر أرسله على عبد ، وعليهما دية مسلم ، ودية حر ، اعتباراً بوصول السهم .
وقال أبو حنيفة : إذا أعتق العبد بعد إرسال السهم ، وقبل الإصابة ففيه قيمته لسيده اعتباراً بإرسال السهم دون الإصابة ، وأما الكافر فديته ودية المسلم عنده سواء ، وهذا فاسد ؛ لأن النصراني لم يصل السهم إليه إلا بعد إسلامه ، والعبد لم يصل السهم إليه إلا بعد عتقه وقد ذكرنا أن القود معتبر بحال الجناية ، وهو وقت الإرسال ، والدية معتبرة بحال الاستقرار وهو الإصابة .
فأما ما ظهر فيه اشتباه القياس فمسألتان اتفق أصحابنا في إحداهما ، وظهر الخلاف في الأخرى .
فأما التي اتفق أصحابنا عليها مع ظهور الاشتباه فيها : فهي في مسلم أرسل سهمه على مرتد فأسلم ثم وصل السهم إليه فمات ، قال الشافعي : ‘ لا قود عليه ‘ اعتباراً بإرسال السهم وعليه الدية اعتباراً بإصابة السهم وهذا مشتبه ؛ لأن ابتداء الجناية إن كان عند إرسال السهم ، فينبغي أن لا تجب فيه الدية لأنه كان عند إرساله مرتداً ، وإن كان ابتداؤها عند الإصابة ، فينبغي أن يجب فيه القود ، لأنه كان عند إصابته مسلماً ولا يجوز أن يجعل ابتداؤها في سقوط القود عند الإرسال ، وفي وجوب الدية عند الإصابة لتنافيهما ، وهذا الاشتباه وإن كان محتملاً ، وكاد ابن أبي هريرة أن يخرجه وجهاً ثانياً : أنه لا قود ولا دية اعتباراً بحال الإرسال كما اعتبر في النصراني والعبد حال الإرسال ، ويحمل قول الشافعي : وكذلك المرتد يعني : في سقوط القود والدية معاً ، وهذا الاحتمال وإن كان لو قاله قائل مذهباً فلم يصرح به من أصحابنا أحد ؛ لأن الدية تضمن ضمان الأموال فروعي فيها وقت المباشرة ، وذلك عند الإصابة والقود يضمن ضمان الحدود ، فروعي فيها وقت الفعل ، وذلك عند الإرسال ، فلذلك سقط القود في المرتد اعتبارا بوقت الإرسال ، ووجب فيه الدية اعتباراً بوقت الإصابة .