الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص53
المقطوع ، لم يسقط القود عن القاطع بإسلامه اعتباراً بوجوبه حال الجناية ، ووجب إذا انعكس في المسلم إذا قطع يد نصراني ثم أسلم المقطوع أن لا يجب على القاطع القود ، اعتباراً بسقوطه عنه حال الجناية .
والثاني : أنه لما صح في هذه الجناية إسقاط بالكفر عند الجناية ، وإيجاب بالإسلام عند السراية ، وجب أن يغلب حكم الإسقاط على حكم الإيجاب ، لأنه يصح فيه إسقاط ما وجب ، ولا يصح فيه إيجاب ما سقط ، واعتبرنا في الدية استقرارها بعد السراية لأمرين :
أحدهما : أنه لما اعتبرنا استقرار السراية فيما زاد في الموضحة إذا صارت نفساً في إيجاب الدية الكاملة بعد أن وجب نصف عشرها ، وفيما نقص بقطع اليدين والرجلين إذا سرت إلى النفس في أيجاب دية واحدة بعد وجوب ديتين وجب أن يكون بمثابتهما ما حدث من زيادة الدية بالإسلام .
والثاني : أن حدوث الزيادة في المضمون ملتزمة كزيادة المغصوب ، فلما ذكرنا من هذين وقع الفرق في اعتبار القود بحال الجناية واعتبار الدية بعد استقرارها بالسراية ، وهكذا لو جرح الحر عبداً فأعتق ثم مات لم يجب عليه القود ؛ لأنه جرحه وهو عبد ، ووجبت عليه دية حر لاستقرارها فيه وهو حر .
والفرق بينهما : أن نفس النصراني مضمونة بحقن دمه ، فضمن ما حدث بالإسلام من زيادة ديته ، ونفس المرتد هدر غير مضمونة ، فصار ما حدث من سرايتها في الإسلام هدراً غير مضمون كالسارق إذا سرى إلى نفسه القطع لم يضمن ، لأن قطعه غير مضمون وكالحربي إذا قطعت يده فأسلم ثم مات لم يضمن بقود ، ولا دية ؛ لأنه عند الجناية غير مضمون بقود ولا دية .
فأما إذا جرح مقراً بالزنا وهو محصن فرجع عن إقراره ثم مات ففي ضمان نفسه وجهان حكاهما ابن أبي هريرة :
أحدهما : لا يضمن بقود ولا دية لإباحة نفسه وقت الجناية كالمرتد .
والوجه الثاني : يضمن ديته وإن جرى عليه حكم الإباحة وقت الجناية .
والفرق بينه وبين المرتد أن المرتد مباح الدم إلا أن يتوب من ردته ، والزاني محظور النفس إلا أن يقيم على إقراره .