الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص45
وهكذا لو افترسه سبع فقطع حشوته أو قطع مريئه أو حلقومه ، ثم ضرب إنسان عنقه فلا قود عليه ؛ لأن السبع قد أتى على حياته ، والباقي منها غير مستقر ، فلم يجر عليه حكم .
ومثاله في مأكولة السبع إذا قطع حشوتها ثم ذبحت لم تؤكل ؛ لأن الباقي من حياتها غير مستقر فلم يجز عليها حكم الزكاة .
قال الماوردي : وهذا صحيح إذا كانت جراحة الأول لم تأت على النفس ولا نقضت بنية الجسد ، وكانت الحياة معها مستقرة ، ثم ضرب عنقه آخر وذبحه أو قطع حشوته فالثاني : هو القاتل يجب عليه القود أو الدية كاملة ، والأول جارح يؤخذ بحكم جراحه ؛ فإن كانت مما فيه القود كقطع يد ورجل أو شجة موضحة اقتص منه أو أخذت منه الدية ، وإن كانت مما لا قود فيه أخذ منه ديتها ، ولا تدخل في دية النفس لاختلاف الجانبين ، وسواء كانت جراحة الأول مما يجوز أن يعيش منها ، أو لا يعيش ؛ لأنه باقي الحياة .
وإن قطع بموته منها فجرى مجرى المريض المدنف المقطوع بموته إذا قتل وجب القود على قاتله ؛ لأنه المباشر لنقص بنيته وإفاتة حياته ، وقد جرح عمر بن الخطاب رضوان الله عليه في موضعين من أمعائه فسقاه الطبيب لبنا فخرج من جرحه أبيض فقال له الطبيب : أنت ميت فاعهد بما شئت ، فعهد بالشورى ، ووصى بوصايا ، وعاش ثلاثاً ثم مات رحمة الله عليه فأمضى المسلمون عهوده ، ونفذوا وصاياه .
قال الشافعي : فلو قتله أحد من تلك الحال كان قاتلاً وبرئ الذي جرحه من القتل .
وهكذا لو افترس السبع رجلاً فجرحه جرحاً يعيش منه أو لا يعيش لكنه باقي الحشوة والحلقوم فضرب عنقه رجل ، أو ذبحه أو قطع حشوته وجب عليه القود ؛ لأنه هو الناقض لبنيته ، والمفوت لحياته ، ولو تقدمت جناية الرجل عليه فجرحه جرحاً يعيش منه ثم أكله السبع ، فلا قود على الجارح ، لأن نقض البنية وفوات الحياة كان من غيره ، ويؤخذ الجارح بالقصاص من جرحه إن كان في مثله قصاص ، أو دية جرحه ، إن لم يكن فيه قصاص .