الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص41
منعه الشراب دون الطعام ؛ لأن النفوس لا تحيا إلا بهما إلا أن الصبر عن الطعام إذا وجب شراباً أمد زماناً من الصبر عن الشارب إذا وجد الطعام .
روي أن أبا ذر رضي الله عنه لما أراد الإسلام اختفى من المشركين تحت أستار الكعبة بضعة عشرة يوماً ، فكان يخرج في الليل من بين الأستار فيشرب ماء زمزم ، قال : فسمنت حتى تكسرت عكن بطني ، فأخبرت بذلك رسول الله ( ص ) فقال : ‘ إنها طعام طعم وشفاء سقم ‘ فبان أن الماء يمسك الرمق فيراعي حكم كل واحد منهما إذا انفرد بالعرف المعهود في الأغلب .
أحدهما : أن لا يقدر على الخروج منها حتى يموت فيها ، وذلك لإحدى خمسة أحوال .
أما أن يلقيه في حفرة قد أججها .
وأما أن يربطه فلا يقدر مع الرباط على الخروج منها .
وإما أن يطول مدى النار فلا ينتهي إلى الخروج منها .
وإما أن يقف في طرفها فيمنعه من الخروج .
وإما أن تثبط بدنه فيعجز عن النهوض فيها ، فهذا قاتل عمداً وهو أشد القتل عذاباًً ، ولذلك عذب الله تعالى بالنار من عصاه ، وقال النبي ( ص ) ‘ لا تعذبوا عباد الله بعذاب الله ‘ فعليه القود .
والضرب الثاني : أن يقدر على الخروج منها فهذان على ضربين :
أحدهما : أن لا يخرج مع القدرة على الخروج حتى يموت فلا قود عليه ، وفي الدية قولان فمن أذن لغيره في قتله ، أحدهما عليه الدية كما لو قدر على مداواة جرحه فامتنع من الدواء حتى مات وجبت الدية .
والقول الثاني : لا دية ، وعليه أرش ما لفحته النار عند إلقائه فيها ؛ لأن التلف باستدامة النار ، والتي ينسب استدامتها إليه دون ملقيه ، وخالف تركه لدواء الجرح ، لأنه لم ينسب إلى زيادة عليه .
والضرب الثاني : أن يخرج منها حياً ثم يموت بعد الخروج ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون تثبيط بدنه باقياً فعليه القود كالجرح إذا مات منه قبل أن يندمل