الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص16
فأخذ أبو يوسف الرقعة ، ودخل على الرشيد ، فأخبره بالحال ، وقرأ عليه الرقعة ، فقال له الرشيد : تدارك هذا الأمر بحيلة لئلا يكون منه فتنة .
فخرج أبو يوسف وطالب أولياء المقتول بالبينة على صحة الذمة ، وأداء الجزية فلم يأتوا بها فأسقط القود وحكم الدية ، وهذا إذا كان مفضياً إلى استنكار النفوس وانتشار الفتن كان العدول عنه أحق وأصوب .
أحدها : ما لا يقتل به ، وتجب عليه دية كافر ، وهو أن يبتدئ المسلم بقتل الكافر توجيه فلا يجب القود لإسلام القاتل ، وتجب به دية كافر لكفر المقتول .
والقسم الثاني : ما لا يجب فيه القود ، وتجب فيه دية مسلم ، وهو أن يجرح المسلم كافرا ، ثم يسلم المجروح ، ويموت مسلما ، فلا قود على المسلم ؛ لأن المقتول وقت الجرح كان كافراً ، وفيه دية مسلم ؛ لأنه مات من الجرح مسلماً ؛ لأن الاعتبار في القود بحال الابتداء ، وفي الدية بحال الانتهاء .
والقسم الثالث : ما يقتل به المسلم ولا يجب فيه الدية كافر ، وذلك في حالتين :
أحدهما : أن يقتل كافر كافراً ثم يسلم القاتل به ، وإن كان مسلماً ، اعتباراً بحال القتل ، ولا تجب عليه إلا دية كافر ؛ لأن المقتول مات كافراً .
والحال الثانية : أن يطلب المسلم نفس الكافر فيجوز للكافر أن يقبل طالب نفسه ، وإن كان مسلماً فلو قتله المسلم الطالب لم يجب عليه إلا دية كافر ، ولو قتل المسلم لم يجب له دية لأن نفس المطلوب مضمونة ، ونفس الطالب هدر .
والقسم الرابع : ما اختلف القول فيه ، وهو أن يقتل مسلم كافراً في الحرابة ففي قتله به قولان للشافعي :
أحدهما : وهو المشهور عنه أنه لا يقتل به لعموم النهي .
والقول الثاني : ذكره الشافعي في موضع وقال : هذا مما استخير الله فيه أن يقتل به ؛ لأن في قتل الحرابة حقاً لله تعالى يجب أن يستوفى ولا يجوز العفو عنه فاستوى فيه قتل المسلم والكافر ، وهو في غير الحرابة حق لآدمي يجوز العفو عنه فسقط في حق الكافر ، ولو قتل مرتد كافراً لم يجب عليه القود ، وإن اتفقا على الكفر لما ثبت له من حرمة الإسلام ، وما أجرى عليه من أحكامه .