الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص14
العرض ، والقود يجب بهتك حرمة النفس ، فلما سقط عن المسلم حد قذفه كان أولى أن يسقط عنه القود في نفسه ؛ لأن أخذ النفس أغلظ من استيفاء الحد . فأما الجواب عن قوله تعالى : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ) [ المائدة : 45 ] فمن وجهين :
أحدهما : أنه عائد إلى بني إسرائيل وكانوا أكفاء فلم يجز حكمهم على غير الأكفاء .
والثاني : أنه عموم خص بدليل .
فإما قوله تعالى : ( ولكم في القصاص حياة ) [ البقرة : 179 ] فهو قصاص لهم فلم يجز أن يفعل قصاصاً عليهم .
وأما حديث عبد الرحمن بن البيلماني أن النبي ( ص ) قتل مسلماً بكافر فهو حديث ضعيف لا يثبته أصحاب الحديث ، ثم مرسل ؛ لأن ابن البيلماني ليس بصحابي ، والمراسيل عندنا ليست بحجة ، ولو سلم الاحتجاج به لما كان فيه دليل ؛ لأنها قضية في عين لا تجري على العموم .
وقد يجوز أن يكون القاتل أسلم بعد قتله فقتله به ، وإذا احتمل هذا وجب التوقف عن الاحتجاج .
وأما حديث عمرو بن أمية الضمري فقد أجاب الشافعي عنه بثلاثة أجوبة :
أحدها : أن طريقه ضعيف ورواته مجهولون .
والثاني : أن عمرو بن أمية الضمري عاش بعد النبي ( ص ) ، ومات في زمن معاوية ؛ فاستحال ما أضيف إليه .
ولهذا قال الشافعي : وأنت تأخذ العلم ، من بعد ليس لك به معرفة أصحابنا يعني : أهل الحرمين ؛ لأن رسول الله ( ص ) كان بينهم فكانوا بأقواله وأصحابه أعرف .
والثالث : أن في روايتهم أنه قتله رسول مستأمن ، وعندهم أن المسلم لا يقتل بالمستأمن ، فلم يكن لهم فيه دليل .
وأما حديث عمر فقد روي أن معاذ بن جبل أنكر عليه .
وروى له عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ لا يقتل مؤمن بكافر ‘ وأن زيد بن ثابت قال له : لا تقتل أخاك بعبدك فرجع عنه ، وكتب إلى أبي موسى أن لا تقتله به ، فصار ذلك إجماعاً .
وأما قياسهم على المسلم فالمعنى فيه انه حقن دمه بدينه وأن دينه يمنع من استرقاقه فخالف الكافر .