الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج12-ص4
الخاسرين ) [ المائدة : 30 ] لأنه خسر أخاه ودينه ( فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه ) [ المائدة : 31 ] لأنه ترك أخاه على وجه الأرض ولم يدفنه ؛ لأنه لم ير قبله مقتولاً ولا ميتاً ، وفي بحث الغراب قولان :
أحدهما : بحث الأرض على ما يدفنه فيها لقوته فتنبه بذلك على دفن أخيه .
والثاني : أنه بحث على غراب ميت حتى دفنه ( قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغرب فأواري سوأة أخي ) [ المائدة : 31 ] فدفنه حينئذ وواراه فأصبح من النادمين فيه وجهان :
أحدهما : من النادمين على قتل أخيه .
والثاني : من النادمين على أن ترك مواراة سوأة أخيه ، ثم قال تعالى بعد ما أنهاه من حال ابني آدم ( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ) [ المائدة : 32 ] أن خلصها من قتل وهلكة وسماه إحياء لما فيه من بقاء الحياة ، وإن كان الله تعالى هو المحيي ، وفي تسميته بقتل الناس جميعاً وإحياء الناس جميعاً تأويلان :
أحدهما : فكأنما قتل جميع الناس عند المقتول ، وكأنما أحيا الناس عند المستنقذ وهذا قول ابن مسعود .
والثاني : أن على جميع الناس دم القاتل كما لو قتلهم جميعاً وعليهم شكر المحيي كما لو أحياهم جميعاً ، وهذا أصل في تحريم القتل .
وقد روى معمر عن الحسن عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ إن ابني آدم ضربا مثلا لهذه الأمة فخذوا من خيرهما ودعوا شرهما ‘ .
وقال ( ومن يقتل مؤمناً متعمداً ) [ النساء : 92 ] الآية وهذا أغلظ وعيد يجب في أغلظ تحريم حتى قال ابن عباس : لأجل ما تضمنته هذه الآية من الوعيد أن توبة القاتل غير مقبولة ، وتعلقاً بما روي عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ ما نازلت ربي في شيء كما نازلته في توبة قاتل العمد فأبى علي ‘ وذهب من سواه إلى قبول توبته لقول الله تعالى : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ) [ الفرقان : 68 ] إلى قوله : ( إلا من تاب ) فاستثناه من الوعيد ، فدل على قبول توبته .
فإن قيل : هذه الآية نزلت قبل الآية الأولى بستة أشهر فلم يجز أن تنسخ ما بعدها .