الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص511
قال الماوردي : قد مضى حكم الولد عند اكتفائه بنفعه بعد بلوغه ورشده وخروجه من كفالة أبويه غلاماً كان أو جارية ، وخالف فيه أبو حنيفة ومالك على ما قدمناه ، وسقطت نفقته عنها .
ولا يلزم أن يكون كل واحد منهما أن يقره في منزله كما لا يلزم أن ينفق عليه ؛ لأن السكنى تبع للنفقة ولو سألاه المقام عندهما أو عند أحدهما لم يلزمه المقام فيه ، لأنه قد ملكت تصرف نفسه ، لكن يكره له التفرد عنهما محافظة على برهما ، وحذراً من عقوقهما ومقامه مع أبويه أولى من مقامه عند أمه للتجانس وإنفاقهما على التصرف والتعاون ، فإن امتنع من البقاء مع واحد منهما لم يجبر ولم يأثم ما لم يخرج عن حد البر إلى العقوق .
فأما الجارية إذا بلغت فحكمها أغلظ لكونها عورة ترمقها العيون ، وتسبق إليها الظنون فيلزمها ويلزم أبويها من نفي التهمة عنها ما لا يلزمها في حق الابن ، وإذا كان كذلك فالأولى بها ألا تفارق أحد أبويها ، ومقامها مع أمها أولى من مقامها مع أبيها ، لأنها أقدر على حفظها ، واخبر بتدبيرها ، لأن النساء أعرف من الرجال بعادات النساء ، كما كان الرجال أعرف من النساء بعادات الرجال ، لأجل التجانس وتشابه الأخلاق ، فإن فارقت أبويها نظر في حالها فإن انتفت الريبة عنها في فراقها لم يكن لهما عليه اعتراض ، وإن كان الأولى بها ألا تفارق برهما ، وإن توجهت إليها ريبة كان لهما في حق صيانتها أن يأخذاها بما ينفي الريبة عنها من مقامها عند أحدهما أو عند من يوثق به من أهلها والنساء منهم أولى من الرجال لفضل الاحتياط ، وإن طلبت المقام عند أحد أبويها فامتنع نظر ، فإن كان لخوفها على عقها أخذاً جبراً بمقامها عند أحدهما ، وإن كان لسقوط مؤنة السكنى لم يجبر واحد منهما عليها كما لا يجبر على نفقتهما ، ويكره لهما تضيعها فإذا تزوجت صار الأب أحق بها منهما فإن ايمت بموت الزوج أو طلاق ، كانت حالها في الانفراد عن أبويها بعد الأيمة أخف من حالها قبلها ، لأنها قد خبرت وخرجت عن حد الغرة فإن ظهر منها بعد الأيمة ريبة تولى الأبوان حسمها .
قال الماوردي : اعلم أن أهل الحضانة ثم الكفالة مستحقة من الأبوين لأنهما أصل النسب لحدوث الولادة عنهما فتفرع عنهما جميع من علا من القرابات ، كما ترفع