الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص456
أولى ، والذي ذكره أصحابنا أن الاستمتاع في الجماع مشترك بينهما والنفقة مختصة بها ، فلما ثبت الخيار في الحق المشترك كان ثبوته في المختص أولى ، فإن قيل إنما ثبت لها الخيار في الاستمتاع لأنها لا تقدر على مثله من غيره ولم يثبت لها في النفقة لأنها تقدر على مثلها من غيره ، قلنا : نفقة الزوجية لا تقدر عليها من غيره فاستويا .
وقياس ثان : لأنه معسر بما يكون من نفقة ملكة فوجب أن يبطل حقه من التمسك به كالمعسر بنفقة عبده ، فإن قالوا : إنما أزيل ملكه عن عبده إذا أعسر بنفقته ، لأنها لا تثبت في ذمة السيد ونفقة الزوجة تثبت في ذمة الزوج فلم يزل ملكه عنها ، قيل : أزيل الملك لإعوازها في الحال وإن النفس لا تثبت على فقدها فاستويا في الحال وإن اختلفا في ثاني حال فوجب أن يستويا في حكم الإزالة لاشتراكهما في معناها وإن اختلفا فيما سواها ، فإن قالوا : إنما أزيل ملكه عن عبده ، لأنه لا يفضي إلى استهلاك ملكه لوصوله إلى ثمنه ، ولم يجز أن يزال ملكه عن زوجته لما فيه من استهلاك ملك لا يصل إلى بدله ، قيل : لأن العبد مال فجاز أن يرجع في الإزالة إلى بدل وليست الزوجة مالاً يرجع في إزالته إلى بدل فافترقا في البدل من جهة المال المفترقين فيه واستويا في الإزالة لاشتراكهما في معناها .
وقياس ثالث أنه مبدل في معاوضة أعوز الوصول إلى بدله فجاز أن يستحق خيار فسخه كالمبيع قبل القبض إذا أعسر مشتريه بثمنه .
وأما الجواب عن استدلالهم بقوله تعالى : ( فنظرة إلى ميسرة ) فهو أنه عائد إلى ما استقر ثبوته في الذمة وهي لا تستحق الفسخ بما استقر ثبوته في الذمة من ماضي نفقتها ، وإنما تستحقه بنفقة الوقت الذي لم يستقر في الذمة فلم تتوجه إليها الآية .
وأما الاستدلال بقوله تعالى ( إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ) ، فالجواب عنه أن الأمر في الآية توجه من الفقراء إلى من يقدر على نفقة الفقير ولم يتوجه إلى من عجز عنها ، بل جاءت السنة بنهيه عنها ، وهو قول النبي ( ص ) : ‘ يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فليصم فإن الصوم له وجاء ‘ ، وما استدلوا به من الصداق غير مسلم على ما سنذكره من شرح المذهب فيه ، وما استدلوا به من إعسار الموسر بمد اليسار وقدرته على مد الأعسار ، فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أن مد اليسار يسقط بإعساره فلم تملك الفسخ بما لا تستحقه ، ومد الإعسار لا يسقط عنه بإعساره فجاز أن تفسخ بما تستحقه .
والثاني : أنه قد يقوم بدنها إذا عدم مد اليسار بما بقي من مد الإعسار ، ولا قوام لبدنها وإذا تعذر مد الإعسار فافترقا ، وبمثله يجاب عن إعساره بنفقة خادمها ، ولأن نفقة الخادم تابعه وليست عامة الاستحقاق فخالفت حكم ما كان متبوعاً من