پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص415

( وبما أنفقوا من أموالهم ) ، وقال تعالى : ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) [ البقرة : 233 ] ، فنص على وجوبها بالولادة في الحال التي تتشاغل بولدها عن استمتاع الزوج ليكون أدل على وجوبها عليه في حال استمتاعه بها . وقال تعالى : ( وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) [ الطلاق : 6 ] ، فلما أوجب نفقتها بعد الفراق إذا كانت حاملاً كان وجوبها قبل الفراق أولى ، وقال تعالى : فيما استدل به الشافعي : ( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ) [ النساء : 3 ] ، قال الشافعي معناه ألا يكثر من تعولون ، فلولا وجوب النفقة عليه لما كان لخشية العيال تأثير ، فاعترض على الشافعي ابن داود وبعض أهل اللغة في تأويل هذه الآية ، وقالوا : معنى عال يعول أي جاز يجوز ، فأما كثرة العيال فيقال فيه أعال يعيل فكان العدول عن هذا التأويل جهلاً بمعنى اللغة وغفلة عما تقدم في الآية من قوله تعالى : ( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ) [ النساء : 3 ] والجواب عن هذا الاعتراض من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تأويل الشافعي أصح لشاهدي وشرح ولغة .

فأما الشرح فما روي عن ابن مسعود ، أنه قرأ ذلك أدنى أن لا يكثر من تعولون ، فكان هذا التأويل في قراءة ابن مسعود لفظاً متلواً حكاه التاجي عن الفراء قال أخترت من قراءة ابن مسعود .

وروى أبو صالح عن أبي هريرة أن النبي ( ص ) قال : خير الصدقة ما كان عن ظهر غني واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول .

وأما اللغة فقد حكى ثعلب عن سلمة عن الفراء عن الكسائي أنه قال سمعت العرب تقول : عال يعول ، معناه كثر عياله ، قال ابن الأنباري ومنه أخذ عول الفرائض لكثرة سهامها ، فهذا جواب ، والجواب الثاني أن من الأبنية المشتركة ثلاثة معان يقال عال يعول . بمعنى جار يجور . وبمعنى مان يمون . وبمعنى أكثر العيال . فهو بكثرتهم . فتناوله الشافعي بأحد معانيه ، وبه قال ابن مسعود وزيد بن أسلم وطائفه .

والجواب الثالث : أن حقيقته في اللغة ما ذكروه ، ومجازه فيها ما ذكرناه ، فكان حمله على مجازه دون حقيقته أولى من وجهين :

أحدهما : أن حقيقته في الجور قد استفيدت بقوله تعالى : ( فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة ) وحمله على كثرة العيال مستفاداً بمجاز قوله تعالى : ( ذلك أدنى أن لا تعدلوا ) ليكون حمل الآية على معنيين أولى من حملها على أحدهما :

والثاني : أن كثرة العيال يؤول إلى الجور فعبر عنه بالجور ، لأنه يؤول إليه ، كما قال تعالى : ( إني أراني أعصر خمراً ) [ يوسف : 36 ] ، ولم يعصر إلا عنباً فسماه خمراً