الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص403
فإن قيل : قد روي ابن أبي مليكة عن أبي مريم قال : تزوجت امرأة فجاءت سوداء ، فقالت : إني أرضعتكما فجئت إلى النبي ( ص ) وقلت : إن السوداء قالت كذا ، وهي كاذبة ، فقال النبي ( ص ) ‘ دعها لا خير لك فيها ‘ .
قيل عنه ثلاثة أجوبة :
أحدها : ما روي عن النبي ( ص ) أعرض عنه ، وقال : وكيف وقد زعمت السوداء أنها أرضعتكما ، وذلك لا يدل على الحكم بشادتها في الإمضاء ، ولا في الرد وأجراه فجرى الخبر الذي يحتمل الصدق والكذب فلم يقطع بأحدهما .
والثاني : أن قول النبي ( ص ) ‘ دعها لا خير لك فيها ‘ طريقه طريق الاختيار والاستحباب دون الالتزام والإيجاب لقوله ‘ لا خير لك فيها ‘ ولو حرمت لأخبره بتحريمها .
والثالث : أن السوداء التي شهدت كانت أمة وشهادة الأمة غير مقبولة ، وقد روى الحديث على سياقه ابن جريج عن ابن أبي مليكة أن عقبة بن الحارث أخبره أنه نكح أم يحيى بنت أبي إهاب فقالت له أمة سوداء قد أرضعتكما ، قال : فجاءت رسول الله ( ص ) فذكرت ذلك له فأعرض عنها ، قال : فجئت فذكرته ذلك له فقال : ‘ وكيف وقد زعمت السوداء أنها أرضعتكما ‘ ، قال : فنهى عنها .
فدل على أن النهي لم يكن للشهادة وإنما كان للاحتياط .
فإن قيل : فقد روى محمد بن عبد الرحمن السلماني عن أبيه عن ابن عمر أن رسول الله ( ص ) سئل عما يجوز في الرضاع فقال رجل أو امرأة .
قيل : هذا رواه حرام ، ورواه أيضاً عمارة بن حرمي وهو ضعيف ، قال الشافعي حديث حرام قبوله حرام وابن السلماني ضعيف وعلى أنه لو صح لكان محمولا على جواز أن يشهد فيه الرجال إذا انفردوا ويشهد به النساء إذا انفردن والله أعلم .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، فلا يخلو حال المدعي الرضاع بعد الزوجية من أن يكون هو الزوج أو الزوجة ، فإن كان مدعيه الزوج فقد انفسخ نكاح بدعواه ، لأن الفرقة بيده قال الشافعي ‘ وأحب أن يطلق واحدة ليستبيح الأزواج بيقين ‘ .
وإنما قيل قوله في الفرقة ‘ بغير بينة ‘ ، لأنه حق له ولم يقبل في المهر إلا ببينة