الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص366
محرم لعدم سببه لا لنسخه ، وقد جاء الشرع بمثل ذلك في مواضع منها فسخ الحج إلى العمرة أمر به النبي ( ص ) عند نفورهم من العمرة في أشهر الحج . فأمرهم بفسخ الحج بالعمرة ، وهذا أعظم من استئناف الإحرام بالعمرة ، وليزول من نفوسهم ما استنكروه فلا ينفروا منه وهذا المعنى قد زال لاستقراره في النفوس فزال به فسخ الحج ، لو لم يحكم بقليله وكثيره .
( فصل )
وأما داود ومن وافقه في أن التحريم لا يصح إلا بثلاثة معان فاستدلوا بقول النبي ( ص ) ‘ لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ‘ فكان دليله أن الثالثة تحرم وفيما ذكرناه من الأخبار في تعليق التحريم بالخمس ما يمنع من وقوع التحريم بما دون الخمس ، وقوله ( ص ) ‘ لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ‘ مدفوع الدليل بما رويناه من النص ، وجرى مجرى قوله ( ص ) ‘ إنما الربا في النسيئة ‘ ويدل على أن جواز الربا في النقد ، ثم هو مدفوع بالنصوص الواردة فيه ، ويكون قوله ( ص ) ‘ لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ‘ جارياً على السؤال عن ذلك ، وقد روايناه عن أم الفضل والله أعلم بالصواب .
( مسألة )
قال الشافعي رحمه الله تعالى : ‘ وكذلك أبان أن المراد بتحريم الرضاع بعض المرضعين دون بعض واحتج فيما قال النبي ( ص ) لسهلة بنت سهيل لما قالت له كنا نرى سالما ولداً وكان يدخل علي وانا فضل وليس لنا إلا بيت واحد فماذا تأمرني فقال عليه السلام فيما بلغنا ‘ أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها ‘ ففعلت فكانت تراه ابنا من الرضاعة فأخذت بذلك عائشة رضي الله عنها فيمن أحبت أن يدخل عليها من الرجال وأبى سائر أزواج النبي ( ص ) أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس وقلن ما نرى الذي أمر به ( ص ) إلا رخصة في سالم وحده وروى الشافعي رحمه الله أن أم سلمة قالت في الحديث هو لسالم خاصة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى فإذا كان خاصا فالخاص مخرج من العام والدليل على ذلك قول الله جل ثناؤه ( حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) فجعل الحولين غاية وما جعل له غاية فالحكم بعد مضي الغاية خلاف الحكم قبل الغاية كقوله تعالى ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) فإذا مضت الأقراء فحكمهن بعد مضيها خلاف حكمهن فيها ( قال المزني ) وفي ذلك دلالة عندي على نفي الولد لأكثر من سنتين بتأقيت حمله وفصاله ثلاثين شهراً كما نفى توقيت حولين الرضاع لأكثر من الحولين ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وكان عمر رضي الله عنه لا يرى رضاع الكبير يحرم وابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما وقال