پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص317

ثم عادت فقال لها اعتدي أربعة اشهر وعشراً ، ففعلت ثم عادت فقالت : قد حللت للأزواج فتزوجت فعاد زوجها فأتى عمر فقال زوجت امرأتي ، فقال وما ذاك فقال : غبت أربع سنين فزوجتها ، فقال : يغيب أحدكم أربع سنين في غير غزاة ولا تجارة ثم يأتيني فيقول زوجت امرأتي ، فقال : خرجت إلى مسجد أهلي فاستلبنني الجن فكنت معهم فغزاهم جن من المسلمين فوجدوني معهم في الأسر ، فقالوا ما دينك قلت الإسلام فخيروني بين أن أكون معهم ، وبين الرجوع إلى أهلي فاخترت الرجوع إلى أهلي فسلموني إلى قوم فكنت اسمع بالليل كلام الرجال وارى بالنهار مثل الغبار فأسير في آثره حتى هبطت عندكم فخيره عمر بين أن يأخذ زوجته وبين أن يأخذ مهرها .

وروى عاصم الأحول عن عثمان قال : أتت امرأة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقالت استهوت الجن زوجها ، فأمرها أن تتربص أربع سنين ثم أمر ولي الذي استهوته الجن أن يطلقها ثم أمرها أن تعتد أربعة اشهر وعشراً ، وهذه قضية انتشرت في الصحابة ، وحكم بها عن راي الجماعة فكانت حجة ، ولأن الفسخ لما استحق بالعنة وهو فقد الاستمتاع مع القدرة على النفقة ، واستحق بالإعسار وهو فقد النفقة مع القدرة على الاستمتاع ، فلأن تستحق بغيبة المفقود ، وهو جامع بين فقد الاستمتاع وفقد النفقة ، أولى .

والقول الثاني : أنها باقية على الزوجة محبوسة على قدوم الزوج ، وإن طالت غيبته ما لم يأتها يقين موته وهو قوله في الجديد .

وبه قال من الصحابة : علي بن أبي طالب ومن الفقهاء : أبو حنيفة والعراقيون .

ووجه ما رواه سوار بن مصعب عن محمد بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة قال : قال رسول الله ( ص ) امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها الخبر ذكره الدارقطني في سننه .

وروى ابن عباس مثل ذلك ، وهو نص إن ثبت ، ولأن من جهل موته لم يحكم بوفاته كمن غاب أقل من أربع سنين ، ولأنه لما جرى عليه حكم الوفاة في ماله مع الجهل بحياته جرى عليه حكم الحياة في زوجاته كما يجري عليه حكم الحياة في أمهات أولاده ، ولأنه لو غابت الزوجة حتى خفي خبرها لم يجزها أن يحكم بموتها في إباحة أختها لزوجها ، ونكاح أربع سواها كذلك غيبة الزوج ، ولأنه لما جرى عليه في غيبته حكم طلاقه ، وظهاره جرى عليها حكم الزوجية في تحريمها على غيره ، فأما حديث عمر فقد روي أنه رجع عن قضيته حين رجع الزوج ، وكذلك ابن عباس وعثمان فصار إجماعاً بعد خلاف ، والاعتبار بالعنة والإعسار مع فساده بغيبه المعروف حياته ، فالمعنى في العنة : نقص الخلقة ، وفي الإعسار وما ألزمه ، وهما مفقودان في المفقود بسلامة خلقته وصحة ذمته .