الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص290
لجاز له أن يتزوجها ، فاقتضى هذا المنع تداخل العدتين ولأن العدة أجل يقضى بمرور الزمان ، فإذا اجتمع أجلان في دين لرجلين تداخلا كذلك إذا اجتمعت عدتان .
ودليلنا إجماع الصحابة منقول عن اثنين أمسك الباقون عن مخالفتهما .
أحدهما : عن عمر رواه الشافعي عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار أن طليحة كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها البتة فنكحت في عدتها فضربها عمر وضرب زوجها بالمخفقة ضربات وفرق بينهما ، ثم قال : أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق بينهما ، واعتدت بقية عدتها من زوجها الأول ثم الآخر وكان خاطباً من الخطاب وإن كان دخل بها فرق بينهما ، واعتدت بقية عدتها من زوجها الأول ثم اعتدت من الآخر ثم لم ينكحها أبداً .
والثاني : عن علي عليه السلام رواه الشافعي عن عبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء : أن رجلا طلق امرأته فاعتدت منه حتى إذا بقي من عدتها نكحها رجل في آخر عدتها وبنى بها فأتى علي بن أبي طالب في ذلك ففرق بينهما وأمرها أن تعتد ما بقي من عدتها الأولى ثم تستأنف عدة الثاني ، فإذا انقضت عدتها فهي بالخيار إن شاءت نكحت وإن شاءت فلا .
قال الشافعي : أنا أقول بقولهما في أن لا تتداخل العدتان وأقول بقول علي في أنها لا تحرم على الثاني إذا كان قد دخل بها ، وليس لهما في الصحابة مخالف فثبت إجماعاً .
فإن قيل : فقد خالفهما ابن مسعود .
قيل : ليس بثابت مع اشتهار هاتين القصتين من إمامين لو خالفهما غيرهما لاشتهر كاشتهارهما ومن القياس : أنهما حقان مقصوران لآدميين فوجب إذا ترادفا أن لا يتداخلا ، كما لو قتل رجلين قتل بأحدهما وأخذت منه دية الآخر في قول الشافعي ، وفي قول أبي حنيفة قتل لهما وتؤخذ منه الدية تكون بينهما ، وكذلك لو قطع يمنى رجلين اقتص من يمينه لأحدهما ، وأخذت منه دية يمين الآخر في قول الشافعي ، وقول أبي حنيفة على ما ذكرنا في النفس ، وليس تداخل أحد الحقين في الآخر على كل المذهبين في النفوس ، والأطراف ، ولأن المرأة محبوسة على الزوج على حقين نكاح وعدة فلما امتنع اشتراك الزوجين امتنع تداخل العدتين ، ولأن العدة من الحقوق المشتركة من حقوق الله تعالى في التعبد وحق الزوج في حفظ مائة ، وحق الزوجة في السكنى فلم يجز أن تتداخل مع اختلاف مستحقهما لأنه إن غلب يها حق الله تعالى لم تتداخل كالحدود ، والكفارات المختلفة ، وإن غلب فيها حق الآدميين لم تتداخل كالديون ، والقصاص ، ولأنه لما لم يجز في عدة أن تتداخل باختلاف من عليه العدة لم