الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص288
وقال البغداديون : قاله مذهبا لنفسه ومن قال بهذا اختلفوا ، هل يكون تفريق الحاكم بينهما شرطاً في هذا التحريم المؤبد ؟ على وجهين :
أحدهما : لا يكون شرطاً ، وقد حرمت أبداً سواء افترقا بأنفسهما أو فرق الحاكم بينهما ، لأن أسباب التحريم لا تقف على الحكم كالنسب والرضاع .
والوجه الثاني : أن الحكم شرط في تأبيد هذا الحكم كاللعان ، واحتج من ذهب إلى هذا القول بأمرين : هما دليل وفرق بين العالم والجاهل :
أحدهما : أن العالم بالتحريم مزجور فاستغنى عن الزجر بتأبيد تحريمها عليه والجاهل به غيره مزجوراً بالحد فزجر بتأبيد التحريم .
والثاني : أن الجاهل بالتحريم مفسد للنسب لاشتراكهما فيه فزجر على إفساده بتأبيد التحريم والعالم به غير مفسد للنسب ، لأنه غير مشارك فيه فلم يزجر بتحريمها عليه لعدم إفساده فهذا دليل ما قاله عمر ، ومذهب من تابعه عليه .
وقال علي بن أبي طالب عليه السلام لا يحرم عليه مع الجهل والعلم جميعاً ، وهو مذهب أبي حنيفة وبه قال الشافعي في الجديد ، وهو القياس الصحيح من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مع العلم أغلظ مأثما ثم لا يحرم عليه فكانت مع ارتفاع المأثم بالجهل أولى أن لا يحرم .
والثاني : أن الوطء لا يقتضي تحريم الموطوءة على الواطئ ، وإنما يقتضي تحريم غيرها على الواطئ وتحريمها على غير الواطئ .
والثالث : أن حلال الوطء وحرامه من نكاح وزناً لا يوجب تأبيد تحريم الموطوءة على الواطئ ، وهذا الوطء ملحق بأحدهما وليس للفرقين المتقدمين وجه ؛ لأن الزجر لا يكون بالتحريم فبطل به الفرق الأول ، والجاهل غير مفسد للنسب ، لأنه يستضيف ولده إلى نفسه والعالم هو المفسد ، لأنه قد أضاف ولده إلى غيره فبطل به الفرق الثاني .