الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص274
سمعت رسول الله ( ص ) يقول : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً .
قالت زينب ، دخلت على زينب بنت جحش – رضي الله عنها – حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه ، وقالت والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله ( ص ) وهو يقول على المنبر : ‘ لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً ‘ .
قالت زينب : فسمعت أمي أم سلمة تقول جاءت امرأة إلى النبي ( ص ) فقالت يا رسول الله أن بنتي توفي زوجها ، وقد اشتكت عينها فنكحلها ؟ فقال رسول الله ( ص ) لا ، مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا ، ثم قال : ‘ إنما هي أربعة أشهر وعشر ، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول ‘ قال حميد ، قلت : لزينب ما ترمي بالبعرة فقالت زينب كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ، ولبست شر ثيابها ، ولم تمس طيباً ولا شيئا حتى يمر بها سنة ثم تأتي بدابة أو حمار أو شاة أو طائر فقلما تقبض بشيء إلا مات يعني لطول أظفارها ، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره ، وهذا الحديث ذكره الشافعي ، وأبو داود في المتوفى عنها ، وهو يشتمل على ثلاثة أحاديث تدل كلها على وجوب الإحداد في عدة الوفاة ، وقد فسر الشافعي ما في هذا الحديث من الغريب فقال : ‘ الحفش هو البيت الصغير الذليل من الشعر والبناء وغيره ‘ .
وقال الأزهري : ‘ وهو البيت الصغير السمك ، ومنه الحديث هلا جلس في حفش أمه ‘ وسمي حفشاً لصغره . وانه يجمعها ، ومنه قيل للمرأة حفشت زوجها إذا حللته بنفسها .
وقيل للزوج الحفش وقولها : فتقبض في رواية الشافعي وهو القبض بالكف ، وروى غيره فتقتض القض من الذي هو الكسر لأن القبض الذي هو الأخذ بالكف يؤول إلى القض الذي هو الكسر فعبر عنه بما يؤول إليه ، وأما البعرة ففي إلقائها تأويلان :
أحدهما : وهو تأويل الشافعي أنها تريد بإلقائها أنها قد ألقت حقوقه عنها بأدائها كإلقاء البعرة .
والثاني : تعني بإلقائها أن ما مضى عليها من بؤس الحول هين في وجوب حقه كهوان البعرة ، وأما قوله لأسماء : ‘ تسلبي ثلاثاً ‘ فهو محمول إن صح على أنه كرر القول عليها تسلبي ثلاث مرات تأكيداً لأمره فقد كان – ( ص ) – يفعل ذلك كثيراً وفي معنى تسلبي تأويلان :