الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص157
وأما الجواب عن استدلالهم بأنه لو لحق به من غير إقرار لم ينتف عنه إلا باللعان فهو أن أحمد بن حنبل قد روى عن الشافعي رضي الله عنه أنه لاعن من ولد الأمة ، وقال : ألا تعجبون من قول الشافعي : إن الرجل يلاعن من الأمة ، وبه قال أبو العباس بن سريج وأبو علي الطبري ، وله عندي وجه إن لم يدفعه نص ، واختلف أصحابنا في تخريجه قولاً ثانياً للشافعي رضي الله عنه فمنهم من خرجه قولاً للشافعي أن ولد الأمة لا ينتفي إلا باللعان كولد الحرة فعلى هذا قد استويا وسقط الاستدلال به وهل يستغني بإنكاره عن القذف في لعانه ؟ على وجهين :
أحدهما : يغنيه إنكاره عن القذف ، ويكون لعانه أن يوقل : أشهد بالله أن هذا الولد ليس مني لا تحتاج الأمة بعده إلى أن تلتعن ، لأن ما ثبت عليها الزنا ، ولك يجب عليها بلعانه حد . والوجه الثاني : أنه لا يغنيه إنكاره عن القذف فيلتعن كما يلتعن من الحرة ، وعليها الحد بلعانه إلا أن تلتعن فهذا إذا قيل بتخريجه قولاً ثانياً ، ومن أصحابنا من أنكره وامتنع من تخريجه قولاً للشافعي وتأوله : أن يلتعن من الأمة إذا كانت زوجة . فعلى هذا يكون الفرق بين ولد الأمة وولد الحرة في اللعان أن ولد الأمة لما انتفى بالاستبراء لم يحتج إلى نفيه باللعان وولد الحرة لم ينتف بالاستبراء احتاج إلى نفيه باللعان .
وأما الجواب عن استدلالهم بأنها لو صارت بالوطء فراشاً كالحرة لارتفع بالطلاق زوال الملك ، ولم يرتفع بالاستبراء كما لا يرتفع بالاستبراء فراش الحرة ، فهو أنهما مستويان في أن فراش كل واحدة منهما يرتفع بارتفاع ما ثبت به فراشها ، فإن فراش الحرة ثبت بالعقد فارتفع بارتفاع العقد وفراش الأمة ثبت بالوطء فارتفع بارتفاع الوطء ولم يحتج إلى رفعه بالطلاق ، لأن الطلاق لا يكون إلا في النكاح ولم يحتج فيه إلى زوال الملك ؛ لأن وجود الملك لا يمنع من عدوم الفراش في الابتداء وكذلك لا يمنع بقاء الملك في ارتفاع الفراش في الانتهاء وبعكسها تكون الحرة ، وإذا كان كذلك فالاستبراء واجب في ارتفاع فراش الأمة ونفي ولدها عن السيد ، وحكى ابن أبي هريرة فيه وجهاً عن بعض أصحابنا : أنه استظهار مستحب وليس بواجب ، ويكفي في نفي الولد أن يدعى الاستبراء ، وهذا وجه لا يتحصل ؛ لأنه إذا كانت دعوى الاستبراء شرطاً