الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص143
مظلوماً ، ولو مد له في الإمهال ، ولم يقدر له الانتظار لصار المقذوف في تأخير حد وجب له مظلوماً وكان لكل قاذف أن يسقط الحد عن نفسه بادعاء البينة ؛ فلما امتنع الطرفان لئلا يتوجه ظلم في أحدهما ، وجب الفصل بينهما يتوسط الطرفين في حفظ الحقوق فكان الإنظار بثلاثة أيام هي أكثر القليل وأقل الكثير عدلاً بينهما في وصول كل واحد منهما إلى حقه لما ذكرنا في قوله تعالى : ( تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ) [ هود : 65 ] ، ولخبر ‘ المصراة ‘ وخبر حبان بن منقذ في بيع خيار ثلاثة أيام . فلأجل ذلك انظر القاذف بالبينة ثلاثة أيام ، فإن جاء بها وإلا حد أو لاعن وقول الشافعي رضي الله عنه لم أؤجله إلا يوماً أو يومين غير مانع من تأجيله في الثالث ؛ لأنه في حكم الثاني والأول ، وإنما قاله في وجه التقريب في الحد ، فإن سألت المقذوفة حبسه في الثلاث حبس ، فإن قال : لست أقدر على إحضار البينة إن حبست ، أخرج من الحبس ملازماً ليحفظ بالملازمة ، ويمكنه إحضار البينة بالإفراج .
قال الماوردي : وإذا اختلف في القذف فادعت الزوجة أنه قذفها كبيرة ، وأقر الزوج أنها كانت وقت قذفه لها صغيرة ، فإن لم تكن لها بينة فالقول قول مع يمينه أنها كانت حين قذفها صغيرة ولا حد عليه لأن الصغر يقين وجنب المؤمن حمى ، وعليه التعزير ؛ لأن قذف الصغيرة يوجبه فإن لم تكن في الصغر زوجته فليس له أن يلتعن من تعزير وجب في غير الزوجية ، كما لم يلتعن من حد وجب في غيرها ، وإن كانت في الصغر زوجته نظر ، فإن نسب ذلك إلى حال يجامع مثلها فهو تعزير قذف يجوز أن يلاعن منه .
وإن قامت البينة على ما ادعت من قذفه لها في الكبر حكم بها و وجب عليه الحد وله أن يلتعن منه وان عارض بينتها ببينة شهدت له أنه قذفها في الصغر فللبينتين حالتان : اتفاق ومضادة .
فأما الحالة الأولى : وهي الاتفاق الممكن فقد تكون على أحد الوجهين : إما أن تطلق البينتان الشهادة من غير تاريخ ، وإما أن تؤرخا تاريخين مختلفين فيعمل بشهادتهما ، ويصير قاذفاً لها قذفين :
أحدهما : في الصغر ببينته .