الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص132
أحدهما : أنه لو أراد هذا القول لقال : لا ترد يد ملتمس ، ولم يقل : يد لامس .
والثاني : أنه لو قصد هذا لم يؤمر بطلاقها ، ولأمر بحبس ماله عنها .
وروي أن اليهود كانت تقول لرسول الله ( ص ) مذمماً عصينا ، وأمره أبينا ، فقال النبي ( ص ) : أن ترون كيف عصمني الله منهم ، إنهم يسبون مذمما وأنا محمد ، فلم يجعل تعريضهم به صريحاً ، ولأن الله تعالى أحل التعريض بالخطبة وقد حرم صريحها ، فدل على اختلاف حكم التعريض والتصريح ، ويدل عليه عن طريق المعنى : أن كل ما كان كناية في الرضى كان كناية في الغضب كالكنايات في الطلاق وأن كل ما لو نسبه إلى نفسه لم يكن إقراراً بالزنا وجب إذا نسبه إلى غيره أن لا يكون قذفاً بالزنا قياساً على حال الرضى ، لأنه لو قال لنفسه : أنا ما زنيت لم يكن إقراراً ، كذلك إذا قال لغيره : أنا ما زنيت لم يكن قذفاً .
فأما الاستدلال بالآية ، فهي على الفرق بين التعريض والتصريح أدل ، لأنه عدل عن قوله : نحن على هدى ، وأنتم على ضلال مبين ، لما فيه من التنفير ، [ إلى ما هو ألطف ] في القول تأليفاً لهم وإن كان في معناه ، فقال : ( إنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) فلو كان التعريض كالتصريح لعدل عن اللفظ المحتمل إلى ما هو أوضح منه وأبين .
أما استدلالهم بالإجماع بأن عمر رضي الله عنه حد في التعريض ، فعنه جوابان :
أحدهما : أن عمر رضي الله عنه قد خولف فيه فقد روت عمرة أن شاباً خاصم غيره في زمان عمر – رضي الله عنه – فقال : ما زنى أبي ، ولا أمي ، فرفع إلى عمر رضي الله عنه فاستشار الصحابة ، فقالوا : مدح أباه وأمه ، فحده عمر – رضي الله عنه – فثبت اختلافهم فيه .
والثاني : ما روي عن عمر – رضي الله عنه – أنه قال : إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب .
وأما استدلالهم بأن شاهد الحال ينفي احتمال المعاريض فليس بصحيح ، لأن صريح القذف في حالة الرضا والبر لا يزوال عن حكمه ، وكذلك التعريض في حال الغضب والعقوق .