الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص130
رجلك ، فقد قال بعض الناس – يعني أبا حنيفة : في البدن وهو قاذف وفي اليد والرجل لا يكون قاذفاً ، ولا في العين ، قال الشافعي : هذا كله ما عدا الفرج واحداً ولم يصرح أنه واحد في القذف ، فلم يختلف أصحابنا أنه إذا قال : زنا فرجك ، أنه قاذف ، وإذا قال : زنت عينك ، لم يكن قاذفاً ، واختلفوا فيما سوى ذلك من الأعضاء هل يكون قاذفاً بإضافة الزنا إليها أم لا ؟ على ثلاثة أوجه :
أحدها : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، وأبي علي بن أبي هريرة ، لا يكون قاذفاً إذا قال : زنت يدك ، أو رجلك أو رأسك ، أو يدك ، وهو ظاهر كلام الشافعي – رضي الله عنه – في القديم ، ونسبوا المزني إلى الخطأ في نقله ، لأن النبي ( ص ) قال : العينان تزنيان وزناهما النظر ، واليدان تزنيان وزناهما اللمس ، ويصدق ذلك كله أو يكذبه الفرج ، ولأن بالفرج يكون الزنا بخلاف سائر الأعضاء .
والوجه الثاني : أنه يكون بجميع ذلك قاذفاً كالفرج على ما نقله المزني كما يستوي جميعه في الطلاق .
والوجه الثالث : وهو الصحيح عندي ، وبه قال أبو العباس بن سريج إنه إذا قال : زنا بدنك كان قاذفاً ، ولو قال زنت يدك أو رجلك أو رأسك لم يكن قاذفاً ، لأن البدن هو الجملة التي فيها الفرج ، فلم يجز أن يكون بالفرج قاذفاً وبالبدن الذي منه الفرج ليس بقاذف فأما سائر الأعضاء من الرأس والبدن ، واليد والرجل ، فلا تختص بالزنا فلا يكون بها قاذفاً كالعين ، فأما أبو حنيفة – رضي الله عنه – فإنه فرق فيها بين الأعضاء التي لا تبقى الحياة بانفصالها وبين ما تبقى الحياة بفصالها فجعله قاذفاً بقوله : زنا رأسك ، ولم يجعله قاذفاً بقوله : زنت يدك أو رجلك ، وبناه على مذهبه في الطلاق الذي تقدم الكلام فيه ، والدليل على استواء حكم ما يحفظ الحياة وما لا يحفظها ، أن كل ما لو نسبه منها إلى نفسه لم يكن مقراً بالزنا لم يكن إذا نسبه إلى غيره قاذفاً بالزنا ، كالعين طرداً والفرج عكسا لاستواء الإقرار بالزنا والقذف به في الصريح والكناية .