پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص124

والثاني : أن شواهد الأصول في جميع الحدود مستقرة على اعتبارها بوقت الوجوب ، كالزاني إذا زنى بكراً فلم يحد حتى أحصن لم يرجم . وكالسارق لما قيمته ربع دينار فصاعداً إذا انقصت قيمته قبل القطع لم يسقط القطع ، فاقتضى أن يكون حد القذف بمثابتها في اعتباره بوقت الوجوب .

ودليلنا أربعة أشياء :

أحدها : أن الله تعالى أوجب الحد على قاذف المحصن إثباتاً لعفته ، والزاني لا يثبت له عفة فلم يجب في قذفه حد .

والثاني : أن حد القذف موضوع لإسقاط المعرة عن المقذوف ، والمعرة تسقط عنه إذا زنى فلم يجب في قذفه حد .

والثالث : أن من عادة من لا يبالي باجتناب المعاصي أن يستتر بإخفائها وأن ظهورها منه لا يكون إلا بعد كثرتها وتكرارها ، حمل إلى عمر – رضي الله عنه – رجل زنا ، فقال والله ما زنيت قبل هذا ، فقال عمر : كذبت أن الله لا يفضح عبده بأول معصية فكان فيما ظهر زناه دليل على تقدمه منه فلم يحد قاذفه .

والرابع وهو العمدة : أن العفة تكون استدلالاً بالظاهر دون اليقين كالعدالة ، لأنه قد يجوز أن يخفي غير ما يظهر ، فإذا ظهر ما كان يخفيه من الزنا قدح في الاستدلال بظاهر العفة فسقط ثبوتها فلم يجز أن يحد قاذفه كالشاهد إذا شهد وهو على ظاهر العدالة فلم يحكم بها حتى ظهر فسقه سقط الاستدلال بظاهر عدالته فلم يجز أن يحكم بما تقدم من شهادته ، فإن قيل : لا يصح الجمع بين العفة والعدالة من وجهين :

أحدهما : أن الردة تسقط ما تقدمها من الشهادة ، ولا تسقط ما تقدمها من العفة .

والثاني : أن البحث عن العدالة لازم ، والبحث عن العفة غير لازم فجاز أن تثبت العفة بالظاهر الذي لا تثبت العدالة فافترقا ، قيل هذان الوجهان لا يقدح فيهما بما تقدم من الاستدلال ولا يمنع من الجمع بين العفة والعدالة .

أما أول الوجهين : في الفرق بينهما بالردة فالجواب عنه : أن حد القذف موضوع لحراسة العفة من القذف بالزنا دون الردة فجاز أن تسقط بحدوث الزنا وإن لم تسقط بحدوث الردة والعدالة محروسة من جميع الكبائر فاستوت فيه الردة وغيرها وإن خالفت في العفة غيرها .