پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص109

والدليل على أنه لا يكون قذفاً إذا لم تر أن الأحكام تعتبر بحقيقة اللفظ دون مجازه في العالم والجاهل إذا تجرد عن نية وإرادة ، كصريح الطلاق وكنايته وحقيقة قوله : زنأت في الجبل ، هو الصعود إليه والترقي فيه ، يقال زنأ يزنأ وزنواً إذ صعد فيه ، وزنى يزني زناً ، إذ فجر ، يمد ويقصر ، والقصر أكثر .

والفرق بينهما في حقيقة اللسان وعرف الاستعمال مشهوره ، حكي أن امرأة من العرب كانت ترقص ابناً وهي تقول :

( أشبه أبا أمك أو أشبه جمل
ولا تكونن كهلوف وكل )
( يصبح في مضجعه قد انجدل
وأرق إلى الخيرات زنأ في الجبل )

قولها : ‘ أشبه أبا أمك ‘ يعني أباها الذي هو جده لأمه .

وأشبه جمل هو نجيب من قومه ، ولعله أبوه ، ومعناه أشبه هذا أو هذا ، ولا تكونن كهلوف .

الهلوف : الرجل الجافي العظيم .

والوكل : الضعيف ، معناه لا تكونن رجلاً ثقيل الجسم مسترخياً .

يصبح في مضجعه قد انجدل ، يعني وقع على الأرض ، لأن الأرض تسمى الجدالة .

وأرق إلى الخيرات معناه واصعد إليها . زنأ في الجبل : أي كصعودك فيه ومعناه أنك تعلو بصعودك إلى الخيرات كما تعلو بصعودك في الجبل . وهذا لسان من قد فطر على العربية ولم يتكلفها فكانت ألفاظه حقيقة في معانيها . فلم يجز أن يعدل بزنأ في الجبل عن حقيقته ولا أن يعلق الحكم فيه بمجازه ، ولأن زنأت في الجبل لو كان حقيقة في الصعود وحقيقة في الفاحشة لكان ما قرن به من ذكر الجبل يصرفه عن حقيقة الفجور الصعود ؛ لأن القرائن تصرف حقائق الألفاظ المطلقة إلى حقائق قرائنها .

ألا تراه لو قال لها : أنت طالق من وثاق لم يقع به الطلاق ، وإن كان يقع بمجرد قوله : أنت طالق ، لأن القرينة بقوله : من وثاق قد صرفته عن حقيقته إلى مجازه ، وكذلك قوله زنأت في الجبل ، فعلى هذا لو قال لها : زنأت ولم يقل في الجبل لم يكن على الاستدلال الأول قذفاً ، وكان على الاستدلال الثاني قذفاً ، فصار على وجهين وفيما أوضحناه من هذين الاستدلالين انفصال عما تقدم الاحتجاج به إذا استوضح .

( مسألة )

قال الشافعي : ‘ ولو قال لامرأته زنيت وأنت صغيرة أو قال وأنت نصرانية