الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص104
قيل : قد خالفتم المزني في هذا الجواب لأنكم جعلتموه كناية في القذف فبطل بخلافكم له صحة هذا التعليل ، على أنني لم أرد للمزني في مختصره ولا في جامعه ما حكيتموه عنه من هذا الجواب ، وما حكي عنه في غيرها مدخول عليه والله أعلم .
قال الماوردي : وهذا صحيح إذا قذف الرجل المرأة فقال لها : يا زان كان قذفاً ، وعلل له الشافعي بأنه ترخيم حذف به الياء والهاء ، وكما يقال لمالك : يا مال ، ولحارث : يا حار ، كما حكاه عنه المزني في هذا المختصر وفي جامعه الكبير .
وحكى عنه حرملة : أنه لو قال لها : يا زاني كان قذفاً ، بحذف الهاء ، وحدها وإثبات الياء .
وجملته : أنه لو قال لها : يا زان ، أو يا زاني ، أو يا زانية ، كانت هذا الألفاظ الثلاثة سواء في القذف وفي وجوب الحد ، وهذا قول أبي حنيفة ومالك ، ومن يعتد بمذهبه من الفقهاء . وقال محمد بن داود : إذا قال لها : يا زان لم يكن قذفاً لها ، ولا يصح أن يكون ترخيماً ، فاعترض على الشافعي في الحكم والتعليل معاً ، واحتج لإبطال الحكم بالقذف ، بأنه لا يجوز في موضع اللغة أن يتوجه اللفظ المذكر إلى الإناث كما لا يتوجه اللفظ المؤنث إلى الذكور ليتميز باللفظ من الفريقين ، حتى يزول الاشتباه كما قال تعالى : ( حرض المؤمنين على القتال ) [ الأنعام : 65 ] . فخرج منه المؤمنات ، والشافعي جعل هاهنا لفظ المذكر مصروفاً إلى الأنثى وهذا فاسد .
واحتج على إبطال ما علل به الشافعي في الترخيم بثلاثة أشياء :
أحدها : أن الترخيم إنما يستعمل في أسماء الأعلام مثل مالك ، وحارث ، ولا يستعمل في الأفعال ولا فيما يشتق منها ، مثل : زنى ، ودخل ، وخرج ، فلا يقع فيها ترخيم ، ولا يقال لداخل : يا داخ ، ولا لخارج : يا خار ، كذلك في الزنا .
والثاني : أن الترخيم إسقاط حرف واحد كما حذفوا في ترخيم مالك ، وحارث ، حرفاً واحداً ، والشافعي أسقط في ترخيم الزانية حرفين : الياء ، والهاء .
والثالث : أن الهاء إذا تطرفت الكلمة لم تحذف إلا أن توصل بما بعدها كما قال امرؤ القيس .