پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص103

وقد قال الشاعر :

( هو أزناهما بظنون أفا
ليس ممن يقاد بالتقليد )

فرأى الناس ذلك قذفاً للأم ، ولهذا الشعر حديث في هجاء بعض الأمراء قتل به الشاعر فوضح بما ذكرته أنه صريح في قذف زوجته يحد فيه ولا ينوي ، وأما فلانة التي جعل زوجته أزنى منها ، فيحتمل من لفظه فيها أحد أمرين ، إما الاشتراك وإما السلب ، فالاشتراك كقولهم : زيد أعلم من عمرو فيكون شريكاً بينهما في العلم وتفضيلاً لزيد على عمرو فيه ، وأما السلب فكقول الله تعالى : ( أصحاب الجنة يومئذ خيرا مستقراً وأحسن مقيلاً ) [ الفرقان : 24 ] . فكان ذلك سلبا للخير عن أهل النار ، لأنه لا خير لهم فيها ، وإذا احتمل لفظه في فلانة الاشتراك والسلب صار كناية يرجع فيه إلى إرادته ، فإن أراد الجمع والتشريك كان قذفاً ، وإن أراد به السلب والنفي لم يكن قذفاً ، وكذلك لو لم تكن له أرادة .

( فصل )

أما المسألة الثانية : فهو أن يقول لها : أنت أزنى الناس ، قال الشافعي : في الجمع بينهما لم يكن قذفا إلا أن يريد به قذفاً ، فجعله كناية في القذف [ فعلل ] أصحابنا هذا الجواب حين تابعوه عليه ، بأنه شبهها بجميع الناس في المبالغة ، ونعلم يقيناً أن جميع الناس ليسوا زناة ، فيعلم كذبه يقيناً فلم يكن قذفاً صريحاً ، والصحيح عندي أنه يكون قذفاً صريحاً لأمرين :

أحدهما : أن لفظ المبالغة في الصفة إذا أضيفت إلى الجماعة فيهم مشارك فيها مخالف حملت على المشارك في إثبات الصفة ، ولم تحمل على المخالف في نفيها ، كما لو قال : زيد أعلم أهل البصرة ، – ومعلوم أن بالبصرة علماء وغير علماء – كان محمولاً على إثبات علمه في التشريك بينه وبين جهالها ، وكذلك قوله : أنت أزنى الناس ، ومعلوم أن في الناس زناة وغير زناة ، فوجب أن يكون محمولاً على مبالغة إضافته إلى الزناة ، وليس في القذف أبلغ من هذا ، لأنه جعلها أزنى من كل زان .

والثاني : أننا لو أخرجنا هذا اللفظ من صريح القذف للتعليل الذي ذكروه من تيقن كذبه لخرج بهذا التعليل من كناية القذف ، ولا يصير قاذفاً وإن أراده ، لأن القذف ما احتمل الصدق والكذب ، فأما ما قطع فيه بالصدق أو قطع فيه بالكذب فليس بقذف ، ألا تراه لو قال لبنت شهر : زنيت ، لم يكن قذفاً لاستحالته ، ولو قذف من ثبت زناها لم يكن قذفاً لاستحالته .

فإن قيل : فقد حكي عن المزني أنه لم يجعله قذفاً وإن أراده فأخرجه عن صريح القذف وكنايته تصحيحاً لهذا التعليل .