الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص99
قال الماوردي : أما قوله لها مبتدئاً : يا زانية فهو قذف لها صريح لا يرجع فيه إلى إرادته وأما قولها له في جواب قذفها له : زنيت بك ، فهو محتمل إذا كان جواباً ، فلم يكن قذفا صريحاً إلا أن تريد به القذف والذي يحتمله هذا الجواب أحد أربعة أوجه ذكر منها الشافعي اثنين ، وأغفل الثالث :
أحدها : أن تريد إقرارها بالزنا وقذفها له .
والثاني : أن تريد إقرارها بالزنا ولا تريد قذفه به .
والثالث : أن تريد قذفه بالزنا ولا تريد إقرارها به .
والرابع : أن لا تريد قذفه ولا إقرارها به ، فأما الأول وهو أن تريد إقرارها بالزنا وقدفه به فهو أن تقول : أردت به أنه زنا بي قبل أن يتزوجني ، فكنت زانية به وكان زانياً بي ، فهذا البيان هو أغلظ أحوالهما في حقها وحق الزوج ، فعليها حدان :
أحدهما : حد الزنا لإقرارها به وهو حق الله تعالى لا تراعى فيه المطالبة .
والثاني : حد القذف للزوج ، لأنها قاذفة له . وهو معتبر بطلبه وقد سقط عن الزوج حد القذف بتصديقها له ، وإذا وجب الحدان عليها لم يتداخلا ، لأنهما من جنسين مختلفين الموجب والحكم ، ومنع أبو حنيفة من اجتماعهما بناء على أصله في أن لا يجمع في السرقة بين القطع والغرم ، ونحن نجريه على أصلنا في الجمع بين القطع والغرم وإن كان في الجمع بين حد الزنا والقذف نص ، وهو ما روي : أن النبي ( ص ) كان قائماً يخطب فقام إليه رجل من بني كنانة فقال : إني أصبت حداً ، فقال له النبي ( ص ) أقعد ، حتى قال ذلك ثلاثاً ، فقال له : ماذا فعلت ؟ فقالت : زنيت ببنت امرأتي ، فأمر رسول الله ( ص ) عمر وعلياً وزيد بن حارثة أن يقيموا عليه حد الزنا ، ثم أرسل إلى بنت امرأته وسألها فقالت : ما زنيت ، فأمر أن يقام عليه حد القذف ، فجمع عليه الحدين .