الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص98
ودليلنا : أنه مأمور باستلحاق نسبه في حق الله تعالى وحق الولد ، فاقتضى أن يكون مقبول الاعتراف في الحياة وبعد الموت ، لأن لا يكون على الجحود مصراً وللوعيد مستحقاً ، وقد يتحرر من معنى هذا الاستدلال قياسان :
أحدهما : أنه استلحاق يثبت به نسب الحي فوجب أن يثبت به نسب الميت كالذي ترك ولدا مع أبي حنيفة وكالغني مع مالك .
والثاني : أنه استلحاق يثبت به نسب ذي الولد فوجب أن يثبت نسب الأب من نسب غير ذي الولد الحي ، ولأن نسب الولد مأخوذ من نسب الأب فلا يؤخذ من نسب الولد ، لأن الفروع ترد إلى أصولها ، ولا ترد الأصول إلى فروعها ، وأبو حنيفة عكس فيهما أصول الشرع فجعل نسب الأب مأخوذاً من نسب الولد . ولم يجعل نسب الولد مأخوذاً من نسب الأب ، وما انعكست به أصول الشرع كان مدفوعاً ، وبمثله يندفع قول مالك في اعتبار المال ، ولأن المنع من استلحاقه بعد الموت لا يخلو أن يكون لأجل الموت ، أو لأجل التهمة ، فبطل أن يكون لأجل الموت لجواز استلحاقه مع الولد والموت موجود وبطل أن يكون لأجل التهمة في الميراث ، لأنه لو مات فقيرا لم يلحق به وإن كان غير متهوم وترك ولداً لا يرث لرق أو كفر ألحقوه به وإن كان متهوماً ، وإذا بطل تعليق المنع بواحد من هذين ثبت تساوي حكمه في الحياة ، وبعد الموت . فأما الجواب عن استدلالهم بقطع الأسباب مع عدم الولد ، وبقائها مع وجوده فمن وجهين :
أحدهما : أن الأسباب باقية مع عدم الولد كبقائها مع وجوده ، لأنه قد تعلق بالأسباب مع الحقوق لها وعليها من تحريم المصاهرة وغيره ما لا ينقطع بالموت .
والثاني : أنه وإن انقطع بها الحقوق المستقبلة لم تقطع بها الحقوق الماضية ، وإن انقطع بها حق الآدمي . لم ينقطع بها حق الله تعالى .
وأما استدلالهم بالتهمة فقد أبطلنا أن تكون عليه وأما الاستدلال بأن وجود الولد يجمع حقي النسب ويعدمان بفقده فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أنه قد يتعلق بالنسب أحكام سوى أحكام الولد فلم تسقط بعدم الولد .
والثاني : أن حكم النسب مع وجود الولد أغلظ ومع عدمه أخف . فلما ثبت النسب في أغلظ حاليه كان ثبوته في أخفهما أولى .