الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص91
وفي هذا القسم ظاهر لفظه القذف فحد بالظاهر إلا أن يكون له بينة .
وفي هذا الموضع قذفاً في الظاهر والباطن ، وهذا ظاهر ما يقتضيه كلام الشافعي في الأجنبي وحكى المزني عنه في الأب إذا قال لابنه : ليست بابني ، أنه لا يكون قاذفاً لأمه حتى يريد به القذف ، فخالف بين الأب والأجنبي فلم يجعل ذلك من الأب قذفاً ، وجعله من الأجنبي قذفاً ، فاختلف أصحابنا في ذلك على ثلاثة طرق :
أحدها : وقد أومأ المزني إليها : التسوية بين الأب والأجنبي وتخريج ذلك على قولين جمعاً بين ما نص عليه في الموضعين :
أحدهما : يكون قذفاً صريحاً من الأب والأجنبي جميعاً على ما نص عليه في الأجنبي فيحدان معاً إلا أن يلاعن الأب فيسقط عنه الحد ولا يسقط عن الأجنبي .
ووجهه : أن نفي الولد عن أبيه موضوع في العرف لقذف أمه ، فجاز أن يكون العرف معتبراً والحكم به متعلقاً .
والقول الثاني : أنه لا يكون قذفاً صريحاً من الأب ولا من الأجنبي لظهور الاحتمال فيه ، وأن يراد به ليس بابنه لاختلافهما في الأفعال والأخلاق مع اتفاقهما في الأنساب ، فخرج بهذا الاحتمال عن حكم الصريح ، وما الذي يكون حكمه حينئذ ؟ فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون مقذوفاً في الظاهر دون الباطن اعتباراً بالأغلب من حاليه . وإن لم يتغلظ على المستلحق بعد النفي لم يكن أضعف منه فعلى هذا يؤخذ بالحد إلا أن يقول لم أرد به القذف ، فيحلف عليه ولا يحد .
والوجه الثاني : أنه كناية ينوي فيه ولا يحد إلا أن يريد به القذف ، بخلاف المستلحق ، والفرق بينهما : أن المستلحق لما اعتل نسبه باللعان صار الظاهر من نفيه قذف أمه ، وغير المستلحق لما لم يعتل نسبه صار الظاهر من نفيه مخالفة أبيه في أفعاله وأخلاقه ، فهذه الطريقة الأولى لأصحابنا ويشبه أن تكون طريقة أبي الطيب بن سلمة .
والطريقة الثانية : وهي طريقة أبي علي بن أبي هريرة : أن الجواب على ظاهر النص فيهما فيكون قذفاً من الأجنبي ولا يكون قذفاً من الأب .