الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص75
وعلق مالك جميع هذه الأحكام بلعانهما معاً ، وعلقها أبو حنيفة بلعانهما وحكم الحاكم ، وقد مضى الكلام معهما .
وأما الفصل الثاني في تأييد التحريم ، فعند الشافعي أن تحريم اللعان مؤبد لا يزول أبداً ، فإن أكذب نفسه بعد التعانه لزمه من الأحكام الأربعة ما كان عليه وذلك شيئان – وجود الحد ، ولحوق النسب ، وبقي ما كان له من رفع الفراش وتأييد التحريم بحاله ، فلا تحل له وإن أكذب نفسه .
وبه قال من الصحابة عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وابن عمر رضي الله عنهم .
ومن التابعين : الزهري ومن الفقهاء ، مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، وأبو يوسف ، وأحمد ، وإسحاق ، وقال أبو حنيفة ومحمد : إذا أكذب نفسه حلت له وكذلك لو وجد في لعانه حد في قذف فلم يجعل تحريم اللعان مؤبداً .
وقال سعيد بن المسيب : إن أكذب نفسه وهي في العدة حلت له بالعقد الأول من غير نكاح مستجد . وقال سعيد بن جبير : إن أكذب نفسه هي في العدة حلت له ، وإن أكذب نفسه بعد انقضاء عدتها لم تحل له أبداً .
وقال الحسن البصري : إذا أكذب نفسه لم يلحق به النسب كما لا يرتفع به التحريم .
واستدل من نصر قول أبي حنيفة بعموم قوله تعالى : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) [ النساء : 24 ] . وهذه من وراء ذلك فحلت له ، ولأنه تحريم يختص بالزوجية فلم يتأبد كالطلاق وخالف تحريم الرضاع لأنه لا يختص بالزوجية ، ولأنه بتحريم إذا عري عن الحرمة لم يتأيد ثبوته كالردة طرداً والرضاع عكساً ، ولأن ما استفيد حكمه باللعان جاز أن لا يتأبد ثبوته كالنسب .
ودليلنا رواية محمد بن زيد عن سعيد بن جبير عن ابن عمر عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبداً ‘ .
وروى الزهري عن سهل بن سعد : أن عويمر العجلاني لاعن امرأته ففرق رسول الله ( ص ) بينهما وقال : ‘ لا يجتمعان أبداً ‘ فدل هذا الخبران على تأييد التحريم من وجهين :
أحدهما : نص عليه .