الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص70
يقولون : زنا فلان ، فلا حد على حاكي القذف ، لأنه ليس بقاذف ، ولا يسأله عن القاذف ، لأن حق المطالبة لم يتوجه عليه بحد ولا يجوز للحاكم أو الإمام أن يسأل عن المقذوف هل زنا أم لا ؟ قال الله تعالى : ( ولا تجسسوا ) [ الحجرات : 12 ] . وقال النبي ( ص ) لهزال : ‘ هلا سترته بثوبك يا هزال ‘ .
والقسم الثالث : أن يتعين فيه القاذف والمقذوف ، كقول رجل للإمام : زنا فلان أو فلانة ، فيكون القاذف والمقذوف معينين ، فلا يجوز للإمام أن يسأل المقذوف هل زنا أم لا ؟ لأن النبي ( ص ) قال : ‘ من أتى من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم حد الله عليه ‘ .
وهل يلزم الإمام إعلام المقذوف بحال قذفه ليطالب قاذفه بحده أم لا ؟ على ثلاثة أوجه :
أحدها : يجب على الإمام إعلامه بذلك لأنه قد وجب له بالقذف حق لم يعلم به فلزم الإمام حفظه عليه بإعلامه ليستوفيه إن شاء كما يلزمه إعلامه بما ثبت عنده من أمواله ، لجمع رسول الله ( ص ) بين الأموال والأعراض في قوله : ‘ ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم ‘ وعلى هذا الوجه أمر رسول الله ( ص ) أنيساً حين أتاه رجل فقال : يا رسول الله إن ابني كان عسيفاً لهذا ، وأنه زنا بامرأته ، فقال : ‘ يا أنيس أغد إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ‘ فكان إيفاد أنيس إليها لا ليسألها عن الزنى هل زنت أم لا ؟ ولكن ليخبرها بحال قاذفها ، فإن أكذبته وطلبت حده حد لها ، وإن صدقته واعترفت بالزنا حدت .
والوجه الثاني : ليس على الإمام إعلامه ، لأنها حدود تدرأ بالشبهات ، وقد قال النبي ( ص ) : ‘ جنب المؤمن حمى ‘ .
والوجه الثالث : وهو قول أبي العباس بن سريج إنه أن يعدي قذف الغائب إلى قذف حاضر مطالب كرجل قذف امرأته برجل سماه فلاعن الزوج منها لم يلزم الإمام إعلامه ، لأن لعان الزوج يسقط من القذف في حق كل واحد منهما ، ولذلك لم يعلم رسول الله ( ص ) شريكاً حين قذفه هلال بن أمية بامرأته ، وهكذا لو كان القذف من أجنبي لرجل وامرأة بزناها به فحضر أحدهما مطالباً بالحد لم يلزم الإمام إعلام الآخر ، لأن الحاضر إذا استوفى الحد فهو في حقه وحق الغائب ، لأن في زوال المعرة عن أحدهما بالحد في قذفهما زوالاً للمعرة عنهما ، لأن الزنا واحد ، فإذا لم يتصل قذف الغائب بحاضر فيطالب وجب على الإمام إعلام الغائب ليستوفى بالمطالبة حقه إن شاء كما أوفد أنيساً إلى المرأة والله أعلم .