الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص22
قال الماوردي : اعلم أنه لا يخلو حاله إذا قال : قذفتك وعقلي ذاهب ، من أن يعلم ذهاب عقله فيما تقدم أو لا يعلم ، فإن لم يعلم له حال يذهب فيها عقله لم يقبل قوله في ذهاب عقله لأمرين :
أحدهما : أن الأصل في الناس الصحة حتى يعلم ما عداها .
والثاني : أن الظاهر فيه كونه على الحال التي هو الآن عليها ، فإن أراد إحلاف المقذوف على صحة عقله عند قذفه كان إحلاف المقذوف معتبراً بحال القاذف ، فإن علم صحة عقله لم يكن له إحلاف المقذوف ، وجاز له أن يلاعن لوجوب الحد عليه ، وإن لم يقطع بصحة عقله من قبل كان له إحلاف المقذوف بأن القاذف كان صحيح العقل عند قذفه ، ولا يلزمه أن يحلف أنه لم يزل صحيح العقل ؛ لأن المراعى في حقه صحة العقل عند قذفه ، وإن نكل المقذوف عن اليمين ، حلف القاذف أنه كان ذاهب العقل عند قذفه وسقط عنه الحد ولم يكن له أن يلاعن بعد سقوطه .
إما أن تقوم به بينة أو لا تقوم ، فإن لم تقم به بينة لمن أدعى القذف ، فقال كان هذا القذف مني وأنا ذاهب العقل ، أن قال : قذفتك هذا القذف وأنا ذاهب العقل ، فالقول قوله مع يمينه ، لا يختلف ، ولا حد عليه قولاً واحداً ، لأن جنبه حمى ، ولم يثبت عليه قذف يوجب الحد ، وإن قامت عليه بالقذف بينة ، فقال عند ثبوتها عليه : كنت عند قذفي هذا ذاهب العقل ، فلا يخلو من ثلاثة أحوال :
أحدها أن تشهد البينة بالقذف ، أنه كان صحيح العقل عند قذفه ، فالحد واجب عليه ، وليس لدعواه تأثير في سقوطه .
والحال الثانية : أن يقيم القاذف بينة أنه كان ذاهب العقل عند قذفه ، فيحكم بها إذا شهدت بذهاب عقله في قذف قذفها به ولم يسقط الحد عنه لجواز أن يكونا قذفين :
أحدهما : في صحة ، والآخر في مرض .
والحال الثالثة : أن لا يقيم المقذوف بينة على صحة عقله عند القذف ، ولا يقيم القاذف بينة على ذهاب عقله عند القذف ، ففيه قولان :
أحدهما : أن القول قول القاذف ولا حد عليه ، وهو الذي نص عليه الشافعي :