الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص8
ودليلنا قول الله تعالى : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ) [ النور : 4 ] فكان على عمومه في الأجانب والأزواج ، فإن قيل : هذا منسوخ في الأزواج بآية اللعان ، قيل آية اللعان تقتضي زيادة حكم في قذف الأزواج وورود الزيادة لا توجب سقوط الأصل ، ويدل عليه قول النبي ( ص ) لهلال بن أمية حين قذف زوجته ‘ البينة أو حد في ظهرك ‘ يكررها عليه مراراً فدل على وجوب الحد في قذفه .
فإن قيل فهذا منسوخ بآية اللعان ، لأن نزولها أسقط عنه المطالبة بالحد كما أسقط عنه المطالبة بالبينة فاقتضى أن يكون نزولها موجباً لسقوط الحد كما كان موجباً لسقوط البينة ، قيل هذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أن اللعان ، إما أن يكون يميناً على قولنا أو شهادة على قولهم وكلاهما لا يقعان إلا عن مطالبة بحق تقدممها ، ولا يجبر أحد عليهما .
والثاني : أن سقوط الحد باللعان لا يمنع من وجوبه عند عدم اللعان كالبينة .
ولأن ما دل على تحقيق القذف لم يمنع عدمه من وجوب الحد كالبينة فيصير هذا الانفصال قياساً مجوزاً ؛ ولأن الزوج لو أكذب نفسه بعد القذف وجب عليه الحد بوفاق أبي حنيفة ، فلولا وجوبه قبل الإكذاب لما جاز أن يجب عليه بالإكذاب ، لأن تكذيب نفسه تنزيه لها من القذف فلم يجز أن يجب به حد القذف .
وتحرير هذا الاستدلال قياساً أن كل قاذف وجب الحد عليه بإكذاب نفسه وجب الحد عليه بابتداء قذفه كالأجنبي ، ولأن كل قذف وجب به الحد على غير الزوج وجب به الحد على الزوج كالعبد والمكاتب .
فإن قيل العبد والمكاتب ممن لا يصح اللعان منهما قيل : عندنا يصح اللعان منهما فلم تسلم هذه الممانعة ثم تفسد عليهم بالحر إذا كان تحته أمة وهو من أضل اللعان ولا حد عليه في هذا القذف .
فأما الجواب عن وجهي استدلالهم بقوله تعالى ( والذين يرمون أزواجهم ) فمن وجهين :
أحدهما : أنه ذكر في آية اللعان ما له من الحق في قذفه ، وذكر في آية القذف ما عليه من الحق في قذفه ، وليس يمتنع أن يجتمع في قذفه حق له وحق عليه فلم يتنافيا .
والثاني : أنه داخل في عموم آية القذف ومخصوص بزيادة حكم في اللعان فلم يتعارضا .