الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص7
والحالة الثانية : أن تكون منكر للزنا لكنه يقيم البينة عليها بالزنا . فيسقط عنه حد القذف ويجوز له أن يلاعن قبل إقامة البينة وبعدها لرفع الفراش ونفي النسب ، وقال بعض التابعين لا يجوز أن يلاعن مع وجود البينة لقوله تعالى : ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ) [ النور : 6 ] .
والدليل على جوازه وهو قول الجمهور أن النبي ( ص ) لاعن بين العجلاني وامرأته وبين هلال بن أمية وزوجته ولم يسألهما ألكما بينة أم لا ؟ فدل على جوازه في الحالين ، ولأن اللعان يفيد ما لا تفيده الشهادة من رفع الفراش ونفي النسب فصارت الشهادة مقصورة على إسقاط حقها وفي اللعان إثبات حقه وإسقاط حقها فجاز مع وجودها لعموم حكمه ، فأما الآية فخارجة مخرج الشرط لا مخرج الخبر .
والحالة الثالثة : أن تكون غير مصدقة له وليس له بينة عليها بالزنا فيجوز أن يلاعن بإجماع ، وهي الحال التي لاعن فيها رسول الله ( ص ) بين العجلاني وامرأته وبين هلال بن أمية وزوجته وليس اللعان بواجب عليه وإن جاز له ولا إذا لاعن وجب اللعان عليها وإن جاز أن تلاعن بل الزوج بالخيار في لعانه ، فإن لم يلاعن حد للقذف ، ولا حد عليها ولا لعان ، وإن لاعن الزوج سقط عنه حد القذف ووجب حد الزنا عليها ، فإن لاعنه سقط عنها حد الزنا ، ولا يجبر واحد منهما على اللعان .
وقال أبو حنيفة : اللعان واجب عليها ، فإن امتنع الزوج من اللعان يحبس حتى يلاعن فإذا لاعن وجب اللعان على الزوجة ، فإن لاعنت وإلا حبست حتى تقر ولا يجب الحد على واحد منهما .
واستدل أبو حنيفة على وجوب اللعان عليهما وسقوط الحد عنهما بقوله تعالى : ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله ) [ النور : 6 ] الآية وفيها دليلان :
أحدهما : أنه قابل القذف باللعان فدل على وجوبه .
والثاني : أنه لم يورد للحد ذكراً فدل على سقوطه ، قال : ولأن وجوب الحد زيادة على النص ، والزيادة على النص تكون نسخاً ، والنسخ لا يثبت بقياس ولا استدلال ، قال : ولأن الله تعالى نص على اللعان في قذف الأزواج وعلى الحد في قذف الأجانب ، فلما لم يجز نقل اللعان إلى الأجانب لم يجز نقل الحد إلى الأزواج ، قال : ولأن قذف الزوج لو أوجب عليه الحد لما جاز له إسقاطه بنفسه ، ولو وجب حد الزنا عليها كالبينة لما كان لها سبيل إلى إسقاطه عنها ، فدل ذلك على أن الحد لم يجب عليهما ، قال : ولأن اللعان القذف فلو كان الحد قد وجب بالقذف لما سقط بتكرار القذف .