الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج11-ص6
وأصل ذلك قوله تعالى : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون ، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) [ النور : 4 ] .
وإن كان القاذف زوجاً تعلق بقذفه ما ذكرنا من الأحكام الثلاثة ، الحد ، ورد الشهادة والتفسيق فيصير مشاركا للأجنبي فيما يجب عليه بقذفها ، وله إسقاط ذلك عن نفسه بثلاثة أشياء يشارك الأجنبي في اثنين منها ، ويختص بالثالث ، فأما الاثنان المساوي للأجنبي فيهما :
أحدهما : تصديقها له .
والثاني : إقامة البينة على زناها ، فيسقط عنه بكل من هذين الحكمين الأحكام الثلاثة فأما الثالث الذي يختص به لأجل الزوجية فهو اللعان لما قدمناه من القرآن الوارد فيه مما يسقط به وجوب الحد ، فأما ارتفاع الفسق فمعتبر بحالها فإن لم تلق من بعد وحدت ارتفع عنه الفسق ، لأن لعانه قد صار كالبينة عليها في وجوب الحد . وإن لاعنت ولم تحد احتمل ارتفاع فسقه وجهين :
أحدهما : قد ارتفع فسقه ، لأنه كالبينة في حقه لسقوط حده .
والوجه الثاني : لا يرتفع فسقه لأن لعانها معارض للعانه ، وهو مانع من وجوب حدها به ، فإن قيل : لما اختص الزوج بالقذف دون الأجنبي ؟ قيل : لأن الزوج مضطر إلى إزالة المعرة عن فراشه ونفي النسب الذي ليس منه فصار معذوراً في القذف فجاز أن يجعل له من نفيه سبيل إلى سقوط الحد ورفع المعرة ونفي النسب وليس الأجنبي مضطراً ، فلم يكن في القذف معذوراً فصار أغلظ حكماً .
قال الماوردي : اعلم أنه لا يخلو حال القاذف لزوجته من ثلاثة أحوال :
أحدهما : أن تصدقه على القذف ، وتصديقها أن تقر بالزنا الذي رماها به فيسقط عنه حكم القذف ويجوز أن يلاعن لرفع الفراش ونفي النسب .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز أن يلاعن إذا صدقت ، لأن اللعان عنده شهادة والشهادة لا تقام على مقر والكلام معه يأتي .