الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص513
والثاني : بمن يدفع إليه من أعداد المساكين وهم عندنا ستون مسكيناً فإن نقص عددهم لم يجزه .
وقال أبو حنيفة : إن دفع ذلك القدر إلى مسكين واحد من ستين يوماً أجزأه وإن دفعه إليه في يوم واحد لم يجزه استدلالاً بقول الله سبحانه وتعالى ( فإطعام ستين مسكيناً ) وهو في كل يوم مسكين فجاز أن يدفع إليه ما يجب دفعه إلى المساكين . ومن القياس : أنه مسكين لم يستوف قوت يومه من هذه الكفارة فجاز أن يدفع إليه منها كاليوم الأول ، ولأن المقصود بالكفارة سد ستين جوعه فاستوى سد ستين جوعة من شخص وسدها من ستين شخصاً لوجود المقصود بها في الحالين ، ولأنه لما جاز أن يتكرر المد الواحد بأن يعطيه ثم يشتريه ويقوم مقام ستين مدا جاز أن يتكرر المسكين الواحد بأن يعطيه ثم يعطيه فيقوم مقام ستين مسكيناً .
ودليلنا : قول الله تعالى ( فإطعام ستين مسكينا ) فأمر بفعل الإطعام المتعدي إلى المطعوم وقرنه بعدد فلم يجز الاقتصار على بعض العدد كما لم يجز الاقتصار على بعض الطعام ولو أراد بذلك تقدير الطعام دون المطعوم لقال : وطعام ستين مسكيناً على أن في الإطعام تقدير الطعام والمطعوم فكان أولى من حمله على تقدير الطعام دون المطعوم فإن قيل : فمنع الأخذ منه يؤدي إلى تعيين المساكين وهم غير معينين قلنا : إنما يعين في المنع دون الدفع وذلك جائز كما يتعين منعه في اليوم الواحد ولا تؤدي إلى تعيين المساكين كذلك في الأيام المختلفة ، ولأن رسول الله ( ص ) قد أمر أوس بن الصامت وسلمة بن صخر بإطعام ستين مسكيناً مداً مداً فكان الاقتصار على أحدهم خلافاً لأمره . ومن القياس أنه اقتصر بكفارته على شخص واحد فلم يجزه كما لو دفعه إليه في يوم واحد . فإن قيل : فالمعنى في اليوم الواحد أنه غني عنه وغير محتاج إلى سد جوعته به وليس كذلك في الأيام المختلفة لحاجته إليه في سد جوعته به . قيل : هذا التعليل فاسد من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه لو منع منها في اليوم الواحد لاستغنائه لمنع من غيرها فيه وهو لا يمنع من غيرها فبطل بهذا التعليل .
والثاني : أنه لو منع منها في اليوم الواحد لهذه العلة لجاز إذا سرق منه ما أخذه أن يأخذ منها في بقية يومه لحاجته وهم لا يجوزون ذلك فبطل هذا التعليل .
والثالث : أنه لو استبقى قوت يومه إلى غده جاز له أن يأخذ منها قوت غده وإن كان غنياً عنه بما عنده منها فبطل تعليله .
وقياس ثان : وهو أن كل من لم يكن من أهل هذه الكفارة في يومه لم يكن من أهلها في غده ، كالغني .