الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص497
الله تعالى أول أن يستوفى من أصل المال ولا يقف على الفاضل عن الكفاية ودليلنا قول النبي ( ص ) ( ابدأ بمن تعول ) فجعل ما تعلق بنفسه وعياله مقدماً على غيره فدل على أن صرفه في الكفاية أولى من صرفه في الكفارة ولأن النبي ( ص ) دفع إلى الواطئ في شهر رمضان عرقاً من تمر ليطعمه ستين مسكيناً فقال : يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبياً ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا فقال : ( خذه فكله ) فجعله وعياله أحق به من الكفارة فدل على تعلقها بالكفاية .
فإن قيل : فلم تسقط عنه الكفارة قلنا : الكفارة عند أبي حنيفة يلزم إخراجها على الفور ولو وجبت لقدمت ، ولأنها عبادة ذات بدل فوجب إذا تعلقت بالمال أن تختص بالفاضل عن قدر الكفاية كالطهارة إذا احتاج إلى الماء لعطشه جاز له التيمم مع وجوده ، وإن شئت عللت بغير هذه العلة فقلت : لأن حاجته تستغرق ما معه فوجب أن يكون كالعادم في الانتقال إلى البدل أصله ما ذكرنا من خائف العطش في الطهارة ، ولأن القدرة على البدل في حكم القدرة على البدل فلما تعلقت القدرة على قيمة الرقبة بالفاضل عن الكفاية وجب أن تكون القدرة على الرقبة متعلقة بالفاضل عن الكفاية . فأما الجواب عن قياسهم على وجودها فاضلة عن كفايته فهو أن المعنى فيه أنه لم تستغرق حاجته .
وأما الجواب عن جمع مالك بين حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين فمن ثلاثة أوجه :
أحدها : أن حقوق الآدميين لا تجب إلا عن معاوضة من بيع أو إجارة أو صداق أو قرض أو أرش جناية فأكدت وحقوق الله تعالى تجب ابتداء فخففت .
والثاني : أن لحق الله تعالى في الكفارة بدلاً فكان أخف وليس لحق الآدمي بدل فكان أغلظ .
والثالث : أن حق الله تعالى أوسع ولذلك تعلقت الزكاة بمال دون مال وحق الآدمي أضيق فلذلك تعلق بكل مال .
أحدهما : أنها لا تضاف إلى كفايته وتكون فاضلة عنه يلزمه التكفير بها .