الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص463
والجواب عنه : أن الأصل الذي قررناه مستمر فليس يفسر بما ذكروه أما الإطعام في كفارة القتل ففيه قولان :
أحدهما : أنه يدخل في كفارة القتل فعلى هذا يسقط الاعتراض به .
والثاني : لا يدخل ولا يفسد به هذا الأصل لأنه إنما يحمل المطلق على المقيد في الصفة إذا كان الحكم واجباً . فأما في إثبات أصل الحكم فلا وهذا إنما هو إثبات حكم لا صفة . وأما صيام كفارة اليمين ففي استحقاق تتابعه قولان :
أحدهما : مستحق فعلى هذا يسقط الاعتراض به .
والثاني : أنه غير مستحق ولا يفسد به الأصل لأننا نحمل المطلق على المقيد إذا لم يتنازعه أصلان ، والصوم في كفارة اليمين بين أصلين : أحدهما : يوجب التتابع وهو صوم الظهار .
والثاني : يوجب التفرقة وهو صوم التمتع وليس حمله على أحدهما بأولى من حمله على الآخر فترك على إطلاقه فكان مخيراً فيه بين تتابعه وتفرقته كما فعل مثله في قضاء رمضان لما أطلق وهو بين هذين الأصلين حمل على إطلاقه في التخيير بين تتابعه وتفرقته .
وأما التيمم فلم يحمل إطلاقه على تقييد الوضوء لما فيه من إثبات حكم لم يذكر وحمل المطلق إنما يختص بالصفة ولذلك حملنا إطلاق اليدين في التيمم على المرافق لتقييد ذلك في الوضوء فصار الأصل به مستمراً ، وخالف أبو علي بن أبي هريرة الشافعي وسائر أصحابه فقال : أحمل المطلق على المقيد من طريق المعنى لا بموجب اللسان ومقتضى اللغة ، وهذا لقلة معرفته بلسان العرب وموضوع كلامهم لأنهم تارة يكررون الكلمة للتأكيد وتارة يحذفونها للإيجاز وتارة يسقطون بعضها للترخيم وتارة يتركون الصفة إذا تقدم لها ذكر كالشهادة وتارة ينبه بالأدنى على الأعلى وتارة بالأعلى على الأدنى ، فمن عرف هذه المواضع في كلامهم لم ينكر حمل المطلق على المقيد من طريق اللسان دون المعنى ، وإن كان المعنى في الكفارة يوجبه على ما سنذكره . ويدل على ذلك من طريق السنة ما رواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن محمد بن الشريد أتى النبي ( ص ) ومعه جارية سوداء فقال : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها رقبة أفتجزئ هذه عنها فقال لها رسول الله ( ص ) : ( أين ربك ؟ ) فأشارت إلى السماء فقال : من نبيك ؟ فأشارت إليه فقال : ( أعتقها فإنها مؤمنة ) وروي : ( فإنها تجزيك ) فكان الدليل في هذا الخبر من وجهين : أحدهما : اعتبار الإيمان ولو لم يكن شرطاً لما اعتبره .