الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص379
قال الماوردي : إذا عفت الزوجة عن المطالبة بحقها من الإيلاء بعد انقضاء المدة صح عفوها في حقها ، وهو ما كان مأخوذاً به من الفيئة أو الطلاق ، ولم يؤثر العفو في حكم اليمين ، لأن الحنث فيه مأخوذ به في حق الله تعالى لا يسقط بعفوها ويكون كحالف ليس بمول .
إن حنث في يمينه ألزم حكم حنثه ، فإن عادت بعد العفو مطالبة بحكم الإيلاء كان ذلك لها ، ولم يكن عفوها مسقطاً لحقها على الأبد ، وإنما كان كذلك لما أشار إليه الشافعي رضي لله عنه وهو أن الإيلاء يمين قصد بها إضرار الزوجة ليمتنع من إصابتها بيمينه وهذا الضرر يتجدد مع الأوقات ، فإذا عفت عنه كان عفوها إسقاطاً لحقها من الضرر الماضي ، فسقط ، ولم يكن عفواً عن حقها في المستقبل ، لأنه عفو عما لم يجب ، وجرى ذلك مجرى عفوها عن النفقة يسقط حقها الماضي ، ولا يسقط حقها في المستقبل ، وخالف العنة التي تسقط بالعفو ولا يجوز العود في المطالبة بها ، والفرق بينهما أن العنة عيب مستديم يكون العفو عنه إسقاطاً ، فجرى مجرى سائر العيوب في النكاح من الجب والبرص والجنون التي تسقط بالعفو ولا يجوز العود فيها ، وليس الإيلاء عيباً وإنما هو ضرر لا يستديم فكان العفو عنه تركاً ، ولم يكن إسقاطاً كالدين إذا تركه بالإنظار جاز العود فيه .
فإن قيل فهلا كان العفو في الإيلاء جارياً مجرى الإبراء في الدين الذي لا يجوز العود فيه بعد الإبراء منه ، قيل الفرق بينهما أن الإبراء من الدين إسقاطاً للدين فلم يجز العود فيه بعد سقوطه ، وليس العفو في الإيلاء إسقاطاً لليمين ، فجاز العود فيه بعد العفو لثبوته .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، لأن المطالبة في الإيلاء تختص بحقوق الاستمتاع وذلك مما تختص به الزوجة دون وليها وسيدها ؛ لأنه موقوف على شهوتها والتزازها فإذا عفت عنه الزوجة صح عفوها وإن كانت أمة ، ولم يكن لسيدها المطالبة فإن قيل