الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص376
ونفيتموه عن الآخر ؟ قلنا : لأن مطلق عرف الوطء ينتفي عن وطء الميتة ، لأنه لو حلف لا يطأ زوجته فوطئها بعد موتها . قال أصحابنا : لم يحنث وتنتفي عنه أحكام الوطء من الإحصان وكمال المهر وتحريم المصاهرة وإن أوجب الغسل وليس كذلك وطء الحية ، لأن مطلق اسم الوطء عرفاً ينطلق على وطئها سفاحاً كإطلاقه على وطئها نكاحاً فافترقا .
فأما قول الشافعي في الفرع الأول ولو طلق منهن ثلاثاً كان مولياً في الباقية فهو محمول على ما قدمناه من التأويلين :
أحدهما : معناه كانت الباقية محلاً للإيلاء .
والثاني : معناه كان مولياً في الباقية إن جامع من طلقها ، وقد بين ذلك بقوله لأنه لو جامعها واللائي طلقن حنث ، فبطل بهذا التأويل اعتراض المزني على ظاهر كلامه ، لأن المزني تكلم على فقة المسألة ، و فقهها لا يقتضيه ظاهر كلامه وإنما يقتضيه أصوله وتعليله ثم يؤخذ منها تأويله والله أعلم .
قال الماوردي : وهذه المسألة تخالف التي قبلها ، وصورتها : أن يقول للأربع من نسائه : والله لا أصبت واحدة منكن وهو يريدهن كلهن ، ولا يعين أحداهن ، فهو في الابتداء مول من كل واحدة منهن ؛ لأن أيتهن وطئ حنث بوطئها كمن قال لجماعة والله لا كلمت واحداً منكن ، حنث بكلام أيهم كلم .
فإذا أجرى على كل واحدة منهن في الابتداء حكم الإيلاء فأيتهن جاءت مطالبة وقف لها من وقت يمينه ، فإذا مضت مدة الوقف طولب بالفيئة أو الطلاق فإذا طلق ثم جاءت ثانية وقف لها ، فإذا مضت مدة الوقف طولب بالفيئة أو الطلاق فإن طلق ثم جاءت ثالثة وقف لها ، فإذا مضت مدة الوقف طولب بالفيئة أو الطلاق ، فإن طلق ثم جاءت الرابعة وقف لها ، فإذا مضت مدة الوقف طولب بالفيئة أو الطلاق ، فيصير الزوج بامتناعه من وطء واحدة منهن مولياً وكل واحدة منهن يوقف لها على الفيئة أو الطلاق ، وإن كانت الأولى عند مطالبتها بالفيئة أو الطلاق لم يطلقها ، ولكن فاء منها ووطئها حنث وسقط الإيلاء ممن بقي ، لأنه لا يحنث بوطئهن بعد حنثه بوطء الأولى ، ولو طلق الأولى عند انقضاء مدة الوقف ووطء الثانية سقط إيلاؤه في الثالثة والرابعة ، ولو وطئ الثالثة سقط إيلاؤه في الرابعة وحدها .