الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص342
والدليل السادس : ذكره ابن سريج أن الله تعالى قال : ( وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ) [ البقرة : 227 ] فاقتضى أن يكون الطلاق عن قول مسموع ، فإن قيل : معناه أنه لم يزل سميعاً عليماً قال : ( وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم ) [ البقرة : 244 ] قيل لا يجوز حمله على هذا لأنه معقول بغير هذه الآية ، وكذا في آية الجهاد سميع لقولهم في التحريض ، عليم بنيتهم في الجهاد ، ومن طريق المعنى هو أنها مدة تقدرت بالشرع لم تتقدمها الفرقة فوجب أن لا يقع بها البينونة كأجل العنة وقولنا تقدرت بالشرع احترازاً من قوله : إذا مضت أربعة أشهر فأنت طالق وقولنا لم تتقدمها الفرقة احترازاً من العدة ، ومن أصحابنا من علل هذا الأصل بأوضح من هذا التعليل ، فقال ؛ لأنها مدة شرعت في النكاح بجماع منتظر فوجب أن لا يقع بها الفرقة كأجل العنة ، ولأنها يمين بالله تعالى توجب الكفارة فلم يقع بها الطلاق كسائر
المعجل فوجب أن لا يقع به الطلاق المؤجل كالظهار ؛ ولأن الإيلاء قد كان طلاقاً في الجاهلية فنسخ كالظهار فلم يجز أن يقع به الطلاق ؛ لأنه استيفاء حكم منسوخ ؛ ولأن الطلاق يقع بصريح أو كناية وليس الإيلاء صريحاً فيه ولا كناية لأنه لو كان صريحاً لوقع معجلاً إن أطلق أو إلى الأجل المسمى إن قيده ولو كان كناية لرجع فيه إلى نيته وليس الإيلاء كذلك ولا ينتقض هذا الاستدلال باللعان حيث وقعت به الفرقة وإن لم صريحاً ولا كناية ؛ لأن اللعان يوقع الفسخ ولا يوقع الطلاق ، والفسخ يقع بغير قول والطلاق لا يقع إلى بقول .
وأما الجواب عن الآية بقراءة ابن مسعود فهو أنه لم ينقلها ثقاة من أصحابه فشذت ، والشاذ متروك ، ولو ثبتت وجرت مجرى خبر الواحد لحملت على جواز الفيئة في مدة التربص .
وأما الجواب عن قولهم : إنكم تزيدون على مدة التربص ، فهو أننا لا نزيد عليها وإنما نقدر بها مطالبة الفيئة في مدة التربص .
وأما الجواب عن قولهم : إن جواز الفيئة فيها دليل على استحقاقها فيه فهو باطل بالدين المؤجل يجوز تقديمه قبل أجله ولا يدل ذلك على استحقاقه فيه .
وأما الجواب عن قياسهم على العدة مع انتقاضه بمدة العنة فهو أن المدة فيها لما تقدمتها الفرقة جاز أن تقع بها البينونة ، ولما لم تتقدم مدة الإيلاء لم يجوز أن تقع بها الفرقة .
وأما الجواب عن قياسهم إذا علق طلاقها بمضي أربعة أشهر مع انتقاضه بمدة العنة ، إن المعنى فيه أنه لو علق بأقل من أربعة أشهر وقع قبلها ولو علق بأكثر من أربعة