الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص341
فأضاف الفيئة إلى المدة فدل على استحقاق الفيئة فيها ، وهذه القراءة وإن تفرد ابن مسعود بها تجري مجرى خبر الواحد في وجوب العمل به .
والدليل الثاني منها : أن الله تعالى جعل مدة الإيلاء أربعة أشهر فلو كانت الفيئة بعدها لزادت على مدة النص وذلك لا يجوز .
والدليل الثالث منها : أنه لو وطئها في مدة الإيلاء وقعت الفيئة موقعها فدل على استحقاق الفيئة فيها قال : ولأنها مدة شرعية ثبتت بالقول فيتعلق بها الفرقة فوجب أن تتعقبها البينونة كالعدة ؛ ولأنه قول تعلق به الفرقة إلى مدة فوجب أن يقع بانقضائها كما لو قال : إذا مضت أربعة أشهر فأنت طالق .
ودليلنا قول الله تعالى : ( للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ) [ البقرة : 226 ] وفي هذه الآية ستة أدلة :
أحدها : أنه أضاف مدة الإيلاء إلى الأزواج بقوله تعالى : ( للذين يؤلون ) فجعل المدة لهم ولم يجعلها عليهم ، فوجب أن لا تستحق المطالبة إلا بعد انقضائها كأجل الدين .
والدليل الثاني : قوله : ( فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم ) [ البقرة : 226 ] فذكر الفيئة بعد المدة بفاء التعقيب فوجب أن يستحق بعدها ، كما قال تعالى : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) [ البقرة : 229 ] فاقتضت فاء التعقيب أن يكون الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان بعد طلاق المرتين .
فإن قيل فاء التعقيب في المدة يوجب أن يكون بعد الإيلاء لا بعد المدة فهي محمولة على موجبها ، قيل قد تقدم في الآية ذكر الإيلاء ثم تلاه المدة ثم تعقبها ذكر الفيئة فإذا أوجبت إلغاء التعقيب بعد تقدم ذكره لم يجز أن يعود إلى أبعد المذكورين ووجب أن يعود إليهما أو إلى أقربهما ، وعلى أي هذين الأمرين كان فهو قولنا .
والدليل الثالث : قوله : ( وإن عزموا الطلاق ) [ البقرة : 227 ] فجعله واقعا بعزم الأزواج لا بمضي المدة ، وليس انقضاء المدة عزيمة وإنما العزم ما عده من فعله كما قال تعالى : ( ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله ) [ البقرة : 235 ] فإن قبل فترك الفيئة عزم على الطلاق ، قبل العزم ما كان عن اختيار وقصد وهو لم يقصد ترك الوطء لشهوة ، ووقع الطلاق عندهم وإن لم يكن من عزمه .
والدليل الرابع : أن الله تعالى خيره في الآية بين أمرين الفيئة أو الطلاق ، والتخيير بين أمرين لا يكون إلا في حالة واحدة كالكفارات ولو كان في حالتين لكان ترتيباً ولم يكن تخييراً .
والدليل الخامس : أن التخيير بين أمرين يوجب أن يكون فعلهما إليه ليصح منه اختيار فعله وتركه ولو لم يكن له فعله لبطل حكم خياره .