الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص288
وأما الجواب عن قياسهم على الثلاث ، فهو انه لما كانت الإصابة شرطاً فيه كانت رافعة له ، وليست شرطاً فيما دونها فلم يرفعه .
وأما الجواب عن استدلالهم بأن ما قوي على رفع الأكثر كان على رفع الأقل أقوى ، فهو أن الإصابة عندنا لا ترفع الثلاث على ما ذكرنا وإنما ترفع تحريمها ، وليس فيما دون الثلاث تحريم ، على أن هذا الأصل غير مستمر على مذهب أبي حنيفة لأنه جعله قد يجعل الشيء مؤثراً في الأكثر غير مؤثر في الأقل في مواضع شتى . فمنها أن العاقلة تتحمل جميع الدية ولا تتحمل ما دون الموضحة . ومنها أنه لو قال لزوجته : أنت بائن ينوي بها الثلاث ، كانت ثلاثاً ولو نوى اثنتين كانت واحدة ، فجعل النية مؤثرة في الثلاث غير مؤثرة في الأقل . ومنها أن القهقهة في الصلاة تبطل الصلاة والطهارة ، وفي غير الصلاة لا تبطل الطهارة ، فجعلها مؤثرة في الأكثر غير مؤثرة في الأقل ، ففسد به ما ذهب إليه . والله أعلم .
وإذا تزوج الرجل جارية أبيه تزويجاً صحيحاً ، لأنه يخاف العنث ، أو لأنه عبد ، وإن لم يخف العنث فقال لها : إن مات أبي فأنت طالق ، فمات أبوه ، فإن لم يكن وارثاً لكونه عبداً ، طلقت بموته ، لوجود الصفة ، وإن كان وارثاً لكونه حراً فلا يخلو أن يكون على أبيه دين يحيط بقيمتها أو لا ، فإن لم يكن على أبيه دين يحيط بقيمتها ففي طلاقها وجهان :
أحدهما : وهو قول ابن سريج : لا يطلق ، لأنه إذا ورثها انفسخ نكاحها بالملك ، وزمان الفسخ وزمان الطلاق سواء ، فوقع الفسخ ولم يقع الطلاق كقوله لها : إذا مت فأنت طالق ، فمات لم تطلق .
والوجه الثاني : وهو قول أبي حامد الإسفراييني أنها تطلق ولا يقع الفسخ بالملك ، لأن صفة الطلاق توجد عقيب الموت وهو زمان الملك الذي يتعقبه الفسخ ، فصار الطلاق واقعاً في زمان الملك لا في زمان الفسخ فلذلك وقع الطلاق ولم يقع الفسخ .
وإن كان على أبيه دين يحيط بقيمة الجارية ، فقد اختلف أصحابنا في التركة إذا أحاط بها الدين ، هل تنتقل إلى ملك الورثة أم لا ؟ على وجهين : أحدهما : وهو قول أبي سعيد الإصطخري أنها لا تنتقل إلى ملكهم ، وتكون لأرباب الذين دونهم ، فعلى هذا تطلق لوجود شرط الطلاق وعدم شرط الفسخ .