الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص259
ولأنه طلاق علق بمشيئة من له مشيئة ، فوجب أن لا يقع قبل العلم بها ، أصله إذا علقه بمشيئة زيد ، ولأنه طلاق علقه بصفة صحيحة فوجب أن لا يقع قبل وجودها ، أصله إذا علقه بدخول الدار ، ولأن كل يمين لو علقها بمشيئة آدمي ، لم تقع قبل العلم ، بها ، وجب إذا علقها بمشيئة الله أن لا تقع قبل العلم بها كاليمين بالله ، ولأنه لما ارتفع بمشيئة الله حكم اليمين بالله ، مع عظم حرمتها كان رفع ما دونه في الحرمة من العتق والطلاق أولى .
فأما الجواب عن خبرهم فهو أن خبرنا أعم وأزيد فكان قاضياً على الأخص الأنقص .
وأما الجواب عن استدلالهم بأن الاستثناء بمشيئة الله كالكفارة في رفع اليمين بهما ، فهو أن الاستثناء رافع لليمين والكفارة غير رافعة ؛ لأن الاستثناء يمنع من انعقاد اليمين ، والكفارة لا تجب إلا بالحنث بعد انعقاد اليمين فافترقا .
وأما الجواب عن قياسهم على تعليق طلاقها بصعود السماء ، فهو أن أصحابنا قد اختلفوا في وقوعه على وجهين :
أحدهما : لا يقع لأنه مقيد بشرط لم يوجد فأشبه غيره من الشروط التي توجد ، ألا تراه لو قال : أنت طالق إن شاء زيد ، وزيد ميت لم تطلق ، وإن كان مقيداً بشرط لم يوجد فعلى هذا يبطل الاستدلال به .
والوجه الثاني : أن الطلاق يقع والشرط يلغى ؛ لاستحالته ، وأنه في الكلام لغو ، وليست مشيئة الله مستحيل ولا الكلام بها لغو ، بل قد أمر الله تعالى بها وندب إليها بقول تعالى : ( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله ) [ الكهف : 23 ، 24 ] .
وأما استدلالهم بأن إجراء الطلاق على لسانه دليل على مشيئة الله تعالى فهو انه دليل على إرادة إجرائه ، ولليس بدليل على إرادة إيقاعه ، ثم ثبت ذلك عليهم في اليمين بالله إذا علقها بصعود السماء كقوله : والله لأضربنك إن صعدت السماء ، فإنها لا يلزم وإن قيدت بشرط مستحيل .