پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص249

زيداً ، فقد أثبت مجيء القوم إليه ، ونفى مجيء زيد إليه ، لاستثنائه منهم ولو قال : ما جاءني أحداً إلا زيد ، فقد نفى مجيء أحد وأثبت مجيء زيد لاستثنائه من نفى ، وإذا عاد الاستثناء إلى جملة ، كان المراد بها ، ما بقي بعد الاستثناء منها ، فإذا قال : له عشرة إلا ثلاثة كان إقراره بسبعة ، ولم يكن فرق بين أن يقول مبتدئاً : علي سبعة وبين قوله : له علي عشرة إلا ثلاثة .

قال الله تعالى : ( فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ) [ العنكبوت : 14 ] . فكان كقوله : تسعمائة وخمسين عاماً ، ويجوز أن يأتي استثناء ثاني بعد أول وثالث بعد ثاني فيعود الأول إلى المستثنى نقص فيه إثباتاً كان الاستثناء الأول نفياً ، والثاني إثباتاً ، والثالث نفياً لما ذكرنا ، من أن حكم الاستثناء ضد حكم المستثنى منه .

مثاله : أن يقول : له عشرة إلا سبعة إلا خمسة ، فيكون مقراً بثمانية ، لأن قوله له علي عشرة إثبات ، فكان قوله إلا سبعة نفياً لها من العشرة ، فسقطت منها بقيت ثلاثاً ، فلما قال : إلا خمسة عاد إلى السبعة وهي نفي ، فكانت الخمسة إثباتاً فزيدت على الثلاثة الباقية من العشرة ، فصارت ثمانية ، وصار مستثناً لاثنتين من عشرة ، لأن الخمسة المستثناة من السبعة يبقى منها اثنتان فصار هو المستثنى من العشرة ، وشاهده من كتاب الله تعالى قوله في قصة إبراهيم ولوط : ( قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته ) [ الحجر : 58 – 60 ] . فاستثنى آل لوط بالنجاة من القوم المجرمين في الهلاك ثم استثنى امرأة لوط من آل لوط المنجون من الهلاك ، فصارت من الهالكين ، فأما إذا كان بعد الاستثناء الأول يأتي بواو العطف ، كانا استثناء واحداً كقوله : علي عشرة إلا أربعة إلا ثلاثة ، فيكون كقوله : علي عشرة إلا سبعة ، فيكون عليه ثلاثة ، لأن واو العطف تجمع بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم ، ومتى كان الاستثناء رافعاً لجميع المستثنى منه بطل الاستثناء وثبت المستثنى منه ، كقوله له علي عشرة إلا عشرة ، ثبت إقراره بالعشرة وبطل استثناؤه للعشرة ، لأن الاستثناء موضوع لإبقاء بعض الجملة لا لرفعها ، ألا ترى انه لا يحسن أن يقول : جاء بنو تميم إلا بني تميم ، ويحسن أن يقول : إلا الصبيان ، لأن في الأول رافع ، وفي الثاني مبقي ، ويجوز أن يكون الاستثناء رافعاً للأول ، مبقياً للأكثر إجماعاً كقوله : علي عشرة إلا درهم ، فيبقى تسعة يكون مقراً بها . فأما إذا كان رافعاً للأكثر مبقياً للأقل جاز على قول جميع الفقهاء وأكثر أهل العربية ، فيقول : له علي عشرة إلا تسعة ، فيكون مقراً بدرهم .

وحكي عن ابن درستويه من النحاة ، أنه أبطل الاستثناء إذا كان رفع الأكثر ، وأبقى الأقل وهو قول مطرح ، لأن القرآن يدفعه . قال الله تعالى : ( قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين )