الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص237
وعلي ثمانين ، فكان الدليل منه أن الزيادة على الأربعين علة لافترائه في سكره ، ولو كان غير مكلف لما حد بما أتاه ولا كان مؤاخذاً به وفي مؤاخذته به دليل على تكليفه ، فإذا ثبت انه مكلف ، وجب أن يقع طلاقه كالصاحي . وأما الدليل على وقوع طلاقه في الأصل ، فما رواه الزهري عن سعيد بن المسيب ورواه عبد الله بن الزبير أن النبي ( ص ) لما خطب خديجة بنت خويلد تزوجها من أبيها خويلد وهو سكران ودخل بها ، فلما جاء الإسلام قال رسول الله ( ص ) ( لا يزوج نشوان ولا يطلق إلا أجزته ) وهذا نص .
ولأنه مؤاخذ بسكره ، فوجب أن يكون مؤاخذاً بما حدث عن سكره ، ألا ترى أن من جنى حناية فسرت لما كان مؤاخذاً بها ، كان مؤاخذاً بسرايتها ، فإن قيل فليس السكر من فعله وإنما هو من فعل الله تعالى فيه ، فكيف صار منسوباً إليه ، ومؤاخذاً به ؟ قيل : لأن سببه وهو الشرب من فعله . فصار ما حدث عنه وإن كان من فعل الله تعالى منسوباً إلى فعله ، كما أن سراية الجناية لما حدثت عن فعله ، نسبت إليه وكان مؤاخذاً بها ، وإن كان من فعل الله تعالى فيه ، لأن رفع الطلاق تخفيف ورخصة ، وإيقاعه تغليظ وغريمه ، فإذا وقع من الصاحي وليس بعاص ، كان وقوعه من السكران مع المعصية أولى ، لأن السكران ليس يستدل على سكره بعلم ظاهر ، هو معذور فيه ، وإنما يعرف من جهته ، وهو فاسق مردود الخبر وربما تساكر تصنعاً ، فلم يجز أن يعدل به عن يقين الحكم السابق ، بالتوهم الطارئ ، ولا يجوز اعتباره بالمكره والمجنون لأمرين :
أحدهما : أن مع المكره والمجنون علم ظاهر يدل على فقد الإرادة هما فيه معذوران ، بخلاف السكران .
والثاني : أن المكره والمجنون غير مؤاخذين بالإكراه والجنون ، فلم يؤاخذا بما حدث فيهما ، كما أن من قطع يد سارق فسرت إلى نفسه ، لا يؤاخذه بالسراية ، لأنه غير مؤاخذ بالقطع ، ولو كان متعدياً بالقطع لكان مؤاخذاً بالسراية ، كما كان مؤاخذاً بالقطع ، وخالف الصبي لأنه مكلف والصبي غير مكلف ، وإذا صح أن طلاقه واقع ، فقد اختلف أصحابنا في علة وقوعه على ثلاثة أوجه :
أحدهما وهو قول أبي العباس بن سريج : العلة في وقوع طلاقه أنه متهم فيه لنفسه ، وأنه لا يعلم سكره إلا من جهته ، فعلى هذا يلزمه الطلاق وجميع الأحكام المغلظة والمخففة في الظاهر دون الباطن ، ويكون فيما بينه وبين الله تعالى فيها مديناً .