پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج10-ص236

والضرب الثاني : أن يكون عاصياً فيه لعلمه بأنه مسكر ، وشربه له مختار ، فقد اختلف الناس في وقوع طلاقه ، فذهب الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأكثر الفقهاء إلى وقوع طلاقه .

وحكي عن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – ومجاهد وربيعة والليث بن سعد وداود أن طلاقه لا يقع ، وبه قال من أصحابنا المزني وأبو ثور ، ومن أصحاب أبي حنيفة الطحاوي والكرخي ، وحكى المزني في جامعه الكبير عن الشافعي في القديم في ظهار السكران قولين :

أحدهما : وهو المنصوص عليه في كتبه يقع ، والمشهور من مذهبه .

والثاني : لا يقع وحكم طلاقه وظهاره في الوقوع والسقوط واحد ، فاختلف أصحابنا في هذا القول الذي تفرد المزني بنقله في القديم ، ولم يساعده غيره من أصحاب القديم ، ولا وجد في شيء من كتبه القديمة هل يصح تخريجه قولاً ثانياً للشافعي في القديم ، أن طلاقه وظهاره لا يقع ؟ فذهبت طائفة منهم إلى صحة تخريجه ، وأنه قول ثان للشافعي ، لأن المزني ثقة فيما يرويه ضابطاً لما ينقله ويحكيه ، وذهب الأكثرون منهم إلى انه لا يصح هذا التخريج ، وليس في طلاق السكران إلا قول واحد انه يقع ، لأن المزني وإن كان ثقة ضابطاً ، فأصحاب القديم بمذهبيه فيه أعرف ، ويجوز إن ظهر به المزني أن يكون حكاه عن غيره .

واستدل من ذهب إلى أن طلاقه غير واقع ، بأنه مفقود الإرادة بعلم ظاهر ، فلم يقع طلاقه كالمكره . ولأنه زائل العقل ، فلم يقع طلاقه كالمجنون ، ولأنه غير مميز فلم يقع طلاقه كالصغير ودليلنا من طريقين :

أحدهما : ثبوت تكليفه .

والثاني : وقوع طلاقه .

فأما ثبوت تكليفه فبقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) [ النساء : 43 ] .

فدلت على تكليفهم من وجهين :

أحدهما : تسميتهم بالمؤمنين ، وندائهم بالإيمان ولا ينادى به إلا له .

والثاني : نهيهم في حال السكر أن يقربوا الصلاة ، ولا ينهى إلا مكلف ، ولأنه إجماع الصحابة ، لأن عمر شاورهم في حد الخمر ، وقال : أرى الناس قد بالغوا في شربه واستهانوا بحده ، فماذا ترون ؟ فقال علي عليه السلام : إنه إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، فأرى أن يحد حد المفتري ثمانين ، فحده عمر وعثمان